أ.د/ عادل درويش
أستاذ بجامعة حلوان ومدير المركز الثقافي المصري بأذربيجان سابقًا
ومستشار الجامعة المصرية الصينية بالقاهرة
يحيي الشعب الأذربيجاني في يوم 20 يناير من كل عام ذكرى ضحاياه فى سبيل تحرير جمهورية أذربيجان و استقلالها عن الاتحاد السوفيتى فيما يعرف بالذكرى السنوية «يناير الأسود.
فلقد شكل هذا العدوان جريمة بشعة في حق المواطنين الأبرياء العزل وإنتهاكاً صارخا لسيادة جمهورية اذربيجان وانتهاكاً فاضحا ًللقوانين والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان. وتقام في كافة أنحاء جمهورية اذربيجان مراسم الحداد تخليداً لذكرى أبنائها الأبرار الذين سقطوا نتيجة الجريمة البشعة للقوات السوفياتية ضد هذا الشعب المسلم واحياءا لذكرى الشهداء الذين سقطوا في هذه الأحداث المأسوية .
إن ذكرى هجوم القوات السوفييتية على أذربيجان يوم العشرين من يناير والتي تعرف بذكرى «يناير الأسود» فى تاريخ جمهورية أذربيجان عندما اقتحم الجيش السوفييتي مدينة باكو في هذا اليوم بوحشية بالغة بدعوى إعادة النظام إلى هذه المدينة وذلك لسحق حركة التحرر الوطني لشعب اذربيجان والتي كانت تحظى بتأييد كافة فئات وطوائف الشعب.
ففي عام 1990 هبت رياح التغيير على شرق أوروبا ووسط آسيا بعد سياسة الكبت والاستبداد التي اتبعها مارسها الكرملين ضد السكان الذين شملهم الحكم الشيوعي منذ عام 1917 ولمدة تزيد على سبعين عاماً حيث بدأت تتفكك منظومة القبضة الحديدية على شعوب دول القوقاز وقامت القوات السوفييتية مع حلول ليلة 20 يناير شن ستة وعشرون ألف جندي من الجيش الأحمر السوفييتي معظم جنوده من الأرمن هجوما عسكريا على مدينة باكو عاصمة جمهورية أذربيجان بدون سابق إنذار أو إعلان لحالة الطوارئ قبل دخول القوات السوفيتية حيث لم يعتقد المواطنون أن أي ضرر سوف يلحق بهم فهم ولذلك خرج الكثير من الشباب المسالمين غير المسلحين إلى الشوارع الرئيسية والميادين العامة ليتظاهروا ضد اقتحام القوات السوفييتية لعاصمة بلادهم وتعبيرا عن رفضهم لدخول القوات المعتدية على مدينتهم باكو وكانت وسائل الإعلام تردد بصفة مستمرة بأنه لن تكون هناك حالة طوارئ ولكن الحقيقة كانت غير ذلك لأنه قد تم التخطيط لهذه العملية قبلها بوقت طويل من دخول الجيش السوفيتى حيث قامت المخابرات السوفييتية «الكي جي بي» بتفجير محطة توليد الكهرباء التابعة لتلفزيون أذربيجان ليتوقف البث التلفزيوني في الجمهورية و كان الهدف من تدميرها هو منع المعلومات عن إعلان حالة الطوارئ للشعب والتعتيم على الغزو السوفييتي الغاشم.
وقد استخدمت هذه القوات فى هذا الهجوم الدموي علي الثوار العزل المطالبين بالحرية والاستقلال عن الاتحاد السوفييتي في ساحة الحرية بمدينة باكو وشوارعها أحدث الأسلحة المتطورة حيث فتح الجنود نيران أسلحتهم في كل إتجاه وقتلوا وجرحوا المئات من المدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ العزل وذلك بأوامر مباشره من رئيس الاتحاد السوفيتي أنذاك ميخائيل جورباتشوف وذلك في محاولة يائسة من قبل تلك القوات لإنقاذ النظام الشيوعي المنهار.
و لم تعرف الرحمة طريقها إلى قلوبهم فقد قتلوا كل من صادفهم رجالاً ونساء وأطفالاً وشيوخاً ورغم أن ذلك مخالفا للقانون الدولي إلا أن السوفييت أطلقوا النار على سيارات الإسعاف المحملة بالمرضى لكي يقتلوا المصابين والمسعفين والأطباء الذين كانوا يرافقونهم كما تعرضت السيارات والحافلات وحتى المباني السكنية للنيران خلال هذه الأحداث الوحشية وقتل 137 وأصيب 744 شخصاً وما زال أربعة أشخاص في عداد المفقودين كما اعتقل 841 مدنياً بطريقة غير قانونية وتدمير وحرق 200 منزل ثم بعد إعلان حالة الطوارئ فى بعض المناطق قتلوا 21 شخصاً أما في المناطق التي لم تعلن فيها حالة الطوارئ فتم قتل 26 مدنياً .
كما أعلن المسؤولين السوفيت بعد هذه المذبحة الدموية أن الهدف من تدخل القوات السوفيتية هو الحيلولة دون إسقاط حكومة جمهورية أذربيجان فى ذلك الوقت والتي كان يسيطر عليها الشيوعيون ,كما اعتبروا أن هذا العقاب لمدينة باكو على يد الجنود السوفيت إنذارًا للحركات القومية ليس فقط في أذربيجان بل أيضًا للجمهوريات الأخرى فى الاتحاد السوفيتى.
وصمت العالم على هذه المأساة ولم يتكلم عنها إلا أن الزعيم القومي حيدر عليف الذى عقد في 21 يناير 1990 مؤتمراً صحفياً في موسكو ليدين بأقسى العبارات العدوان السوفيتي على الشعب الأذربيجاني علما بأنه تعرض نتيجة لذلك لضغوط كبيرة من موسكو.
ورغم هذه المجزرة إلا أن «ميخائيل جورباتشوف» رئيس الاتحاد السوفييتي الذي لطخت يداه بالدماء حصل على جائزة نوبل للسلام وهو ما يظهر التناقض والتميز في المعايير الدولية , وبالرغم من هذه المأساه الدموية فقد خرجت أذربيجان أقوى مما كانت وصارت دماء الشهداء شعلة خالدة في تاريخ أذربيجان.
وعن مذبحة 20 يناير فقد أشارت منظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقية في تقريرها بعنوان “يناير الأسود في أذربيجان” إلى أنه لم يكن العنف الذي استخدمه الجيش السوفيتى ليلة 19-20 يناير 1990 متكافئاً بأى حال مع المقاومة التي أبداها الآذريون حتى إنه تحول إلى ممارسة للعقاب الجماعى.
وتجدر الاشاره هنا الى أن أحداث هذه الليلة كانت من بين العوامل التي أدت لسقوط الاتحاد السوفييتي رسمياً في أوائل 1991 وحصلت أذربيجان على استقلالها فيما بعد .ومن الجدير بالذكر أنّه قد عقدت جلسة تاريخية فى 18 أكتوبر من عام 1991 أصدر فيها المجلس الأعلى لجمهورية أذربيجان بالإجماع القانون الدستوري الخاص باستقلال جمهورية اذربيجان وذلك بعد احتلالها من قبل السوفيت في عام 1922 ثم تم بعد هذا القرار استفتاء وطنى في جمهورية أذربيجان في 29 ديسمبر 1991 حيث ضمت ورقة الاقتراع في هذا الاستفتاء سؤالا واحدا هو: “هل تؤيد القانون الدستورى لاستقلال الدولة في جمهورية أذربيجان؟ وصوت شعب أذربيجان بالإجماع تأييداً لتجديد وضع استقلال الدولة.
وتتمتع اذربيجان حاليا بقيادة الرئيس الهامى علييف وبعد مرور 35 عاما بجميع مقومات ومزايا الدولة المستقلة والمتطورة فى جميع المجالات فقد حصلت على اعتراف المجتمع الدولي بأكمله باستقلالها وسيادتها وتمكنت من الدخول في عضوية العديد من المنظمات والهيئات الدولية المرموقة مثل منظمة الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي ومنظمة الأمن والتعاون الاوروبي والمجلس الاورروبي والبرلمان الاوروبي وغيرها من المنظمات الدولية الأخرى.