الرئيسية مقالات المرتبة الخلفية

المرتبة الخلفية

58
0

 

د/عبدالرحمن محمد حكمي 

كان الطريق يمتد أمامنا بلا نهاية، يتلوى كخيط من النور فوق بساط الأرض، وقلوبنا الصغيرة وقتها تطير معه بلا وجهة، تبحث عن مغامرة جديدة خلف كل منعطف. *كنا نحن هناك، في المرتبة الخلفية، نحمل أحلامنا الصغيرة،* ونرسم بأنفاسنا على زجاج النوافذ، ونضحك على الغيوم التي تتراقص فوق رؤوسنا.

لم نكن نعرف شيئًا عن المسافات، ولا عن المسؤوليات التي تجلس في المقدمة، تقود السيارة والحياة معًا. *كان همّ الطريق يقع على أكتاف شخص آخر، يحرس خطوات الرحلة بعينين لا تنامان، ويخفي قلقه بابتسامة مطمئنة تلوح من المرآة الأمامية.*

*كبرنا… وتبدلت المقاعد…*
*أصبحنا نحن في المقدمة،*
نقبض على المقود بقوة كأننا نمسك بخيوط القدر. *عرفنا حينها أن القيادة ليست مجرد رحلة، بل توازن دقيق بين الحلم والواقع، بين الطريق والذاكرة.*
*أدركنا كيف تثقل المسؤولية أكتافنا، وكيف تتسابق الأفكار في رؤوسنا كلما طال الطريق.*

واليوم، حين ننظر إلى المرآة الخلفية، نرى وجوهًا صغيرة تشبهنا، تغفو مطمئنة، لا تحمل على عاتقها سوى أحلامها الهشة.
نبتسم بحنين، ونتمنى لو أن الطريق يعود بنا إلى الوراء، إلى تلك المرتبة الخلفية التي كانت تسع كل سعادتنا، دون أن نحتاج لشيء سوى أغنية قديمة وصوت المحرك يهمس بهدوء.

*لكننا نعرف أن الأيام لا تعود. ربما يكمن السر في أن نحمل تلك الطفولة معنا، حتى ونحن في المقدمة،*
نسرق لحظات من البساطة، ونسمح لقلوبنا أن تنعم براحة المسافر الذي لا يخشى الوصول.

*لعل القيادة في الحياة لا تعني أن نتخلى عن الحلم، بل أن نمضي به رغم كل المنعطفات، ونترك للطريق فرصة أن يعلمنا من جديد كيف نضحك بلا سبب، ونحلم بلا خوف…*

_________________