بقلم : احمد علي بكري
حين ينبعث صدى مشاعرك في فضاء الحياة، تجد من يقف في الظلّ، يتابع أنفاسك بخفوتٍ، ويتربص لك بالغمزات والهمزات. هؤلاء الذين يكرهونك بلا سبب ظاهري، هم في الواقع أكثر الناس درايةً بك. فقد تفحّصوا ملامحك، وجابوا دروب أسرارك، وتحرّوا نقاط قوتك وضعفك، فلم يجدوا في أنفسهم القدرة على محاكاة ما أنت عليه من نورٍ وتألق.
إنما الكراهية التي ينبضون بها هي مرآةٌ لعجزهم؛ فحين يقرأون فيك انتعاش الحرية، يخشون أن يُفضح عجزهم عن التحرر. وحين يرون في إنجازاتك انتصاراً للذات وبلوغاً للأفق، يتبدّى لديهم فشلهم في بلوغ غاياتهم. تلك النفوس الحاسدة تصغي إلى همساتكَ بانتباهٍ، وتحلل خطواتك بحذرٍ، فلا تجد إلا أجوبتهم المظلمة التي تعكس صورتَهم المحتبية خلف جدار الإحباط.
ثمّة حكمةٌ في هذا الموقف الشائك: عندما يكرهونك لأنك تُذكّرهم بعجزهم، فهم بذلك يعترفون بلا وعيٍ بفضلك عما هم عليه. فلا تلتفت إلى جفاء القلوب الحاسدة، بل اعتبر نفَسَك المشرق وصيتك المنير أعظم ردٍّ على ألسنتهم السامة. اجعل من كراهيتهم نبراساً يدفعك إلى مزيدٍ من العطاء، فقد كان يلهب أعداءُ الفنّ قناديل الإبداع، وها هم أبناء النور يصنعون من حسد الظلام وقوداً لروائعهم.
في تماوج الحياة الفلسفية، نرى أن كراهية الآخرين بلا سبب تُثري فهمنا للذات الإنسانية. إنها تُنبهنا إلى نقاط ضعفنا، وتدفعنا للتحصّن بشموخٍ أكبر. فعندما لا يطيقون رؤيتك، حق لهم أن يتساءلوا: ما سرّ نورك هذا؟ لتعلم حينها أن الضوء لا يوصف، بل يُعاش، وأن كلّما ازدادت ناره سطوعاً، ازدادت حوله ظلال الحساد بلا حولٍ ولا قوة.
فلا تدع كراهيتهم تثنيك عن صعودك إلى قمم الوجود، بل اجعلها صدىً لتذكيرك بأن الحرية في أن تكون نفسك، وأن العجز الأكبر هو الخنوع لصوت الحسد، لا القوة في نفخ قناديل الحقيقة.