: الإعلامي/ خضران الزهراني
في زحمة الأيام وتسارع الخطى، تأتي علينا لحظات ربانية تفتح أبواب السماء، وتقرع قلوب المؤمنين بنداء الإيمان والعودة. ومن بين تلك اللحظات، يشرق علينا شهر ذي الحجة، بأيامه الفضيلة، ونفحاته المباركة، ليذكّر الغافل، ويزيد همّة الساعي، ويجمع القلوب على درب الطاعة والرجاء.
ليس في أيام الدنيا كلها أيامٌ أعظم عند الله، ولا أحبّ إليه العمل فيها من هذه الأيام العشر، كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم، فكل يوم فيها كنز من الأجر، وكل ساعة فيها مزرعة للآخرة.
فضل لا يُضاهى…
في عشر ذي الحجة، تتزاحم العبادات، وتتعدد سبل التقرب إلى الله:
• الصلاة تُعانق الخشوع.
• الصيام يطهر النفس.
• الصدقة تداوي الجراح.
• الذكر يُنعش القلب ويزيد النور في الطريق.
ولعلّ أروع ما في هذه الأيام أنها مجال مفتوح للكل: الغني والفقير، الصحيح والمريض، المقيم والمسافر. لا يحرم فيها أحد من الخير، فمجرد “تسبيحة” أو “تكبيرة” تُكتب في الميزان وتُعلي الدرجات.
الحج… وتباشير العتق
ويبلغ الشوق مداه مع اقتراب يوم عرفة، ذاك اليوم العظيم الذي يباهي الله فيه ملائكته بعباده الواقفين على عرفات، وتتنزل فيه الرحمات، وتُغفر فيه الذنوب، ويُعتق فيه من النار من كتب الله له القَبول.
ويكفي أن من صامه – وهو غير حاج – كان كفارةً لسنتين: ماضية وقادمة، كما جاء في الحديث الصحيح.
العيد… فرحة الطائعين
ثم تأتي فرحة العيد، ليكون مسك الختام، تتزين فيه القلوب قبل الثياب، وتُذبح الأضاحي طاعةً وامتثالًا، لا عادةً ولا مظهرًا. فهو عيد القربان، عيد الإيمان، عيد من نحر أهواءه قبل أن ينحر أضحيته.
لماذا لا نستثمر هذه الأيام؟
السؤال الأهم الذي يجب أن يطرق وجدان كل مسلم: إن لم نتقرب إلى الله في هذه الأيام، فمتى؟
إنها فرصة نادرة، وموسم قصير، ولكنه بقدر ما هو قصير، فهو عظيم التأثير.
ما أجمل أن نفتح صفحات جديدة مع الله، في وقت تُفتح فيه أبواب الرحمة، وتُغلق أبواب العذاب، ويُضاعف فيه الأجر.
همسة ختامية:
ذو الحجة ليس مجرد شهر هجري في التقويم، بل هو نفحة من الجنة أُهديت لأهل الأرض.
هو فرصة لتُجدّد عهدك مع الله، لترقّق قلبك، وتُطهّر روحك، وتستشعر أنك عبدٌ لربّ كريم، يفرح بتوبتك، ويغفر زلّتك، ويمنحك فوق ما ترجو.
فلا تضيّع هذه الأيام، بل عشها كما يحب الله… واعلم أن فيها قد تُكتب لك بداية جديدة، يرضى الله بها عنك حتى تلقاه.