الإعلامي/ خضران الزهراني/ الباحة/ مكة
سبحان الله…
صورة واحدة.. كفيلة أن توقظ في القلب ألف معنى.
رجل أمن في الحرم المكي الشريف.. واقف في سكينة وسط جموع العابدين.
يقف في أقدس بقاع الأرض.. يؤدي واجبه بأمانة وصبر.
وفي لحظة من اللحظات التي لا تُصنع.. بل تُمنح.. جاء طائر صغير ليحط على كتفه، وكأن بينهما عهدًا غير مكتوب:
“أنت أمان.. فلا أخشى.”
كم من الرسائل في هذا المشهد البسيط العميق؟
الأمان ليس قوة.. الأمان طُهر
في زمن يُظن فيه أن الأمان يُفرض بالعدة والعتاد، تأتي رسالة السماء عبر هذا الطائر الهش:
الأمان شعور.. ينبع من القلوب الصافية، وينعكس في الأفعال والأقوال.
ذلك العسكري، لم يُطارد الطير، لم يُبعده، لم يتجهم..
بل ظل واقفًا مطمئنًا.. في لحظة عكست أن السلام الحقيقي يبدأ من الداخل.
طائر بلا لغة ولا منطق بشري، قرأ لغة القلب، فوجد في هذا الجندي ما فقده في زحام الدنيا: ملاذًا.
بيت الله.. مأوى الأرواح.. ومأوى الطير
ليست صدفة أن يحدث هذا في الحرم المكي الشريف.
هنا حيث قال رب العالمين:
{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا } [العنكبوت: 67]
هنا حيث الأمن ليس شعارًا.. بل فطرة.
في بيت الله لا يُعتدى على بشر ولا طير ولا شجر.
هنا حيث الإنسان مدعو للرحمة.. ولإحياء معنى السلام الرباني.
أمان القلوب.. رسالة الجنود الصادقين
ربما لم يكن يدري هذا العسكري أن صورته ستجوب الآفاق..
لكن من أخلص النية في عمله.. كتب الله له من البركة ما يذيع ذكره بغير سعي.
وقف يحرس عباد الله..
فجاء مخلوق من خلق الله ليُشهد له بالأمان.
أليست هذه شهادة عظيمة؟
أن يشهد لك طائر السماء حين تغفل عن شهادات البشر.
في درس الصورة.. لنا عبرة
في عالم يموج بالتوتر والخوف..
في مجتمعات ترهقها الماديات والضجيج..
يأتي مشهد بسيط — طائر على كتف جندي — ليذكرنا:
أن القلوب المطمئنة بالله، تورث حولها طمأنينة يشعر بها حتى الطير.
فيا كل من يخدم في أطهر البقاع..
ويا كل من يكدح في سبيل الأمان الحقيقي:
اعلموا أن الأمان أول ما يُبنى في القلب.
وأن من ملأ الله قلبه بالرحمة، جعله مأوى للمخلوقات كلها.
دعاء الختام
اللهم اجعلنا أسباب سلام في أرضك..
اجعلنا ممن تُشهد لهم الطيور والشجر والحجر..
وارزقنا قلوبًا عامرة بذكرك، تنشر الأمان حيث حلّت..
واجعلنا في خدمة دينك وعبادك، طوعًا ومحبة.
سبحان الله… كم في المشاهد البسيطة من دروس عظيمة لمن تأمل.