الرئيسية ثقافة وفنون ايام من حياة بليغ حمدي فى الإذاعة المصرية

ايام من حياة بليغ حمدي فى الإذاعة المصرية

170
0

 

على باب الاستوديو رقم 46 بمبنى (ماسبيرو) وقف موظف من إدارة العقود بالإذاعة ينتظر خروج الموسيقار بليغ حمدي حيث كان يتابع – مع فريق عمل مسلسل ( أرجوك لا تفهمنى بسرعة) – استكمال تسجيل حلقاته التي كانت تذاع وتوقفت فى اليوم العاشر من رمضان – 1973 – بعدما بدأت حرب أكتوبر.

•••

— يا أستاذ …يا أستاذ؟ حضرتك بليغ حمدي؟!

— لا … أنا صاحبه.. محمود عوض؟

— مؤلف مسلسل ( أرجوك لا تفهمني بسرعة)؟

— رد: آه!

— طيب كويس ممكن بعد إذن حضرتك كلمة. وأنا عارف( هتفهمني) بسرعة!

ابتسم محمود عوض

— ورد:”خير…قول عايز إيه”؟

— قال الموظف:

” أبداً…من أيام وأنا أبحث عن الأستاذ بليغ حمدي…لأن له فلوس في خزنة الإذاعة بعدما سجل – منذ بدء العبور – أكثر من أغنية وعندنا في إدارة العقود نريد منه أن يوقع على هذه الأوراق لنصرف له الأجر المستحق عليها”

— طيب وإيه المشكلة؟

— فيه مشكلة لأنني لا استطيع العثور عليه حتى الآن…أطلع فوق يقولوا تحت…أنزل تحت يقولوا فوق”!

ابتسم محمود عوض مرة ثانية وقال له:

” إذن انتظر معي هنا لحظات”

•••

وبعد هذه اللحظات ظهر بليغ حمدي من بعيد، وهو يواصل الجري من ستوديو إلى آخر ..

هنا يجمع الفرقة الموسيقية.. وهناك تتم البروفة..

وهكذا حتى يرتفع صوته قائلاً:” هانسجل يا رجالة؟ تمام يا زكريا؟( زكريا عامر هو مهندس الصوت وقتها )

— جاهزين يا أستاذ … ويبدأ التسجيل الآن!

•••

وبعد الآن.. بليغ حمدي في طريقه إلى ستوديو تسجيل أغانى المسلسل بعدما انتهى من تسجيل أغنية ( ع الربابة باغني)

— يا بليغ

— نعم يا محمود

-“الراجل الطيب ده ( وأشار للموظف) دايخ وراك…لحظة بس اسمعه وشوف عايز إيه”؟

— بليغ..” بصوت خفيض وخجل شديد ” يرد: اتفضل ..خير!

•••

— قال الموظف:” نريد من حضرتك التوقيع على هذه الأوراق لنصرف لك الأجر المستحق على الأغاني التي لحنتها منذ أيام للحرب”؟

— يرد:” أي أجر يا أفندي”؟ ثم يكمل:” هذه الألحان بلا أجر”. فسأله الموظف:

” طيب أسجلها في الأوراق تحت بند إيه؟

— رد بحدة :”سجلها هدية مني للبلد.. وهذا أقل واجب..وسأقوم بالمزيد”!

وقبل أن يترك المكان قال له:

” أنا اللي باشكرك..وباشكر الإذاعة..وباشكر مصر كلها”

ثم انطلق بعدما جذب محمود عوض من يده في اتجاه ستوديو تسجيل المسلسل.

•••

على باب الاستوديو عاد محمود عوض خطوة إلى الخلف ونظر إلى وجه الموظف الذي مازال في مكانه واقفاً مبهوراً مسحوراً وقال له:

” فهمت حاجة يا حضرة”؟!

— هز رأسه ولم يعلق.. فقال محمود عوض:” أنا أقول لك ( أفهمك يعني):

” هذا هو بليغ حمدي..لن يكون شيئاً إلا إذا تحمس..إنه يتحمس لصوت..لفكرة.. لنغمة…لجملة موسيقية..حياة بليغ ذاتها هي مجموعة من الجمل الموسيقية..

فيها المتعة أحياناً..والشوق أحياناَ..والألم أحياناَ..وحبه لمصر دائماَ”!

— “بس دي فلوس يا أستاذ”؟!

— ودي مصر.. يا أخي!

ثم عاد محمود عوض ليضع ذراعه على كتف بليغ حمدى ويدخلا معاً إلى استوديو( 46) لاستكمال التسجيل..

•••

حدث ذلك فيما كان موظف إدارة العقود مازال واقفاً فى مكانه ولسان حاله يقول:

“حاجه غريبة والله.. أنا ماشفتش رجالة كده.. وهو فيه عاقل يعمل كده؟دي فلوس يا ناس…

أما ده راجل مجنون بصحيح”؟!

•••

غير أن الذي لم يدركه، ويعرفه، ويفهمه هذا الموظف التقليدي أن هؤلاء هم بالفعل الرجال… وهذا هي عقولهم وأعمالهم…ومهما مر الزمن، والمحن( الرجالة هيفضلوا رجالة)…هكذا يعلمنا التاريخ.

 

خيري حسن

—————–

الأحداث حقيقية – والسيناريو من خيال الكاتب.

المصادر:

كتاب من وجع القلب – محمود عوض –

•• الصورة:

بليغ وحليم ( جلسة عمل) – متداول.