بقلم: احمد علي بكري
بالأمس مرّ يوم الأب العالمي بصمت لا يليق بعظمة هذا الرجل الذي يقف خلف كل نجاح، وخلف كل قلب مطمئن، وخلف كل بيت عامر بالطمأنينة والسند. على خلاف ما نشهده في يوم الأم من زخم في الاحتفاء، وعبارات الثناء، وأشعار تتغنّى بفضل الأم، يأتي يوم الأب خافتًا رغم أن في حياة كلٍّ منا “رجلًا” لا يقلّ منزلة في التضحية والعطاء.
في الإسلام، لم يُغب فضل الأب أبدًا، بل جاء التنويه به في أكثر من موضع، فقال الله تعالى:
{وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ} [لقمان:14]، فجُمع بين الأب والأم في البرّ، وذُكر الأب تارة منفردًا في مقام التعليم والرعاية، كقوله تعالى:
{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ}، وقوله: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ}، فكم من “يا بني” خرجت من أفواه آبائنا، لم تكن مجرد كلمات، بل وصايا تسكن أعماقنا، كانت تُقال ربما بقسوة أحيانًا لكنها في جوهرها شفقة وخوف ورغبة صادقة في أن نكون أفضل.
ولنذكر أن أول بشر خُلق هو آدم عليه السلام، رجل… ومنه جاءت حواء. لم يُخلق الرجل بعد المرأة، بل بدأت الإنسانية به، فكان هو الأب الأول، ومن صلبه انبثقت الحياة. وبهذا، فإن الأب ليس مجرد شريك في التربية، بل هو أصلها ومبتدأها.
كنا بالأمس أبناءً لأولئك الرجال العظماء الذين لم يناموا قريري العين إلا بعد أن تأكدوا أننا بخير، علّمونا، أطعمونا، لبّوا حاجاتنا قبل أن نطلبها، وربونا ليكونوا فخورين بنا. وربما لم يقولوا “نحبكم” كثيرًا، لكنهم قالوها بصمت حين عملوا لأجلنا، وبقوا خلفنا كجدار لا يميل مهما اشتدت الرياح.
والأب هو الشخص الوحيد الذي يتمنى من أعماقه أن تكون أفضل منه، لا يغار منك، بل يسعد لتفوقك، ويشعر أن نجاحك هو تاج على رأسه. هو الذي إن ضحكت، اطمأن قلبه، وإن حزنت، انكسر ظهره.
واليوم، نذكّر أبناءنا: أنتم اليوم في مكان كنا فيه نحن بالأمس بالنسبة لآبائنا… وغدًا ستكونون أنتم الآباء، فستعرفون يومها كم حملنا، وكم تعبنا، وكم أخفينا من الآهات كي لا تروننا ضعفاء. ستعرفون أن الأب ليس مجرد رجل في البيت، بل سقف يحمي من نوائب الحياة، عمود يُبقي العائلة قائمة، وسند لا يتخلى، حتى لو خانته الكلمات أو أثقله التعب.
فلنقف اليوم جميعًا، ونرفع قبعات الاحترام والإجلال لكل أب، حيًّا كان أو راحلًا، ولنتذكر دائمًا أن الجبال لا تصرخ لكنها تحمي، تمامًا كآبائنا.
كل عام وكل أب بخير، وكل ابن مدرك لقيمة هذا الكنز الحيّ الذي يُدعى “أب”