بقلم: أحمد علي بكري
ليس كل ما في خواطرنا يُقال، لأنّ هناك مشاعر لا تقدر اللغة على حملها، وهناك أفكار تخشى الخروج إلى النور، فتظل تختبئ في زوايا القلب، بين الصمت والانتظار. فبعض الخواطر حين تُقال، تفقد دهشتها، وربما تُفهم على غير ما أردنا، لأننا ببساطة لسنا دائماً قادرين على التعبير بدقة عمّا نشعر به.
وليس كل ما يُقال مقصودًا، فالبشر في لحظات الغضب أو الحزن أو حتى المزاح، قد ينطقون بما لا يعبّر عن نواياهم. وقد تكون الكلمة العابرة طعنة في قلبٍ ظنَّ أنه مأمنٌ، أو جرعة فرحٍ سريعة في يومٍ باهت. لذلك، من الحكمة أن لا نُحمِّل كل قولٍ أكثر مما يحتمل، ولا نحاكم الناس على كلماتهم فقط، بل على نواياهم التي لا تُرى.
وليس كل ما يُكتب واقعًا نعيشه، فالكُتّاب يرسمون عوالم موازية، ويكتبون من خيالٍ لم يعِشه أحد، أو من ألمٍ تخيّلوه فصار أشد من الواقع. الكتابة أحيانًا هروب، وأحيانًا مواجهة، وأحيانًا طوق نجاة. نحن لا نكتب فقط ما عشناه، بل ما تمنينا أن نعيشه، وما خشينا أن يحدث، وما عجزنا عن قوله وجهًا لوجه.
وليس كل ما نعيشه يستحق الكتابة، فهناك لحظات تمرّ خفيفة، بلا معنى، بلا طعم، بلا أثر. وهناك من التفاصيل ما هو مكرر، وما هو عابر، لا يليق بأن يُخلَّد على الورق. الكتابة انتقاء، واختزال، وتركيز على ما يهزُّ الداخل ويحرّك القارئ.
في النهاية…
نحن بشر، ضعفاء أمام الكلمة.
كلمة واحدة، صادقة، ناعمة، قد تُحيينا يومًا كاملًا، تجعلنا نبتسم رغم الهموم، وتجعلنا نصدّق أن الدنيا لا تزال بخير.
وكلمة أخرى، جارحة، قد لا تموت فينا أبدًا، تظل تُوجِعُ القلب كلما تذكّرناها، كأنها قيلت الآن.
فلنختار كلماتنا بلطف، لأن ما نقوله قد يكون بداية حياة… أو بداية ندبة.
فكل كلمة تُكتَب، ليست مجرد حبر… بل أثر.