الرئيسية مقالات من يغفر الذنوب إلا الله

من يغفر الذنوب إلا الله

124
0

 

كتب: أبو بسّام منوّر فيروز الهندي

نحن البشر كثيرو الزلل، نقع في الخطأ بقصد أو بغير قصد، في السر كما في العلن، نُدرك بعضها ويغيب عنا بعضها الآخر. ولكن باب التوبة إلى الله مفتوح لا يُغلق، ومغفرته وسعت كل شيء. فمن أراد أن تُمحى ذنوبه وتصفو حياته ويستنير دربه، فليعد إلى ربه بقلب منكسر، وتوبة نصوح، فإن الله يعلم خفايا القلوب، ويغفر الذنوب مهما عظمت، وهو أرحم الراحمين.

بكل سرور، إليك العبارة بصيغة جميلة وأسلوب أدبي رفيع:

ينادينا الله في آيات كثيرة من كتابه الكريم، دعوةً ملؤها الرحمة، أن نعود إليه تائبين منيبين، فهو وحده من يفتح أبواب المغفرة لمن طرقها، ويغفر الذنوب جميعًا مهما عظمت، فبيده وحده صلاح القلوب وغفران العيوب.

قال الله عز وجل:

”غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ“ (سورة غافر:٣)

”وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ“ (سورة آل عمران:١٣٥)

ينبغي علينا أن نتهيأ دائمًا للرجوع إلى الله، تائبين عمّا اقترفناه من آثام، مستشعرين رحمة الله وسَعة مغفرته. وليس من شيم المؤمن الصادق أن ييأس من رحمة ربه، أو يقول: “ذنبي عظيم، وقد أغرقتني المعاصي، فلن أنجو مهما فعلت، ومصيري النار لا محالة”. بل الواجب عليه أن يوقن بأن الله يغفر الذنوب جميعًا، وأن باب التوبة لا يُغلق ما دام القلب حيًّا، والنفس تتوق إلى الصلاح.

قال الله عز وجل:

”قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ“ (سورة الزمر:٥٣)

بعض الناس يلجأون إلى طلب المغفرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدْعون النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمات:

”ارتكبت على الخطا غير حصر وعدد

لك اشكوا فيه يا سيدي خير النبي“

وإنّ من الناس من يتوجّهون بطلب المغفرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قائلين: “يا رسول الله، اغفر لي ذنوبي”، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن لأمته وعلّمهم أن يسألوا الله وحده المغفرة، فهو سبحانه وحده الغفّار، وقد جاء في قوله صلى الله عليه وسلم:

”يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللَّهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ؛ فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ“ (مسند أحمد:١٨٢٩٣)

وهذا هو المثال ذاته الذي كان جميع الأنبياء يحثون عليه شعوبهم ويحيونه في نفوسهم.

قال نبي الله نوح عليه السلام:

”فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا() يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا () وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا () مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا() (سورة نوح:١٠-١٣)

قال هود عليه السلام لقومه في دعوته:

”وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ“ (سورة هود:٥٢)

لقد تاب أبونا آدم عليه السلام وزوجته حواء عليها السلام إلى الله تعالى نادمَين على تناولهما الثمرة المحرمة.

قال الله عز وجل:

”فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ“ (سورة البقرة:٣٧)

وهذا هو نص الدعاء:

”رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ“ (سورة الأعراف:٢٣)

ولقد تاب النبي موسى عليه السلام إلى الله تائبًا نصوحًا بعد أن وقع في قتل نفسٍ عن غير قصد، فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز:

”وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ () قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ()“ (سورة القصص:١٥، ١٦) تتعدد الأمثلة في القرآن الكريم التي تحثنا على التوجه إلى الله وطلب المغفرة عن ذنوبنا الماضية. ويخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا قائلاً:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : “يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟“ (صحيح البخاري:١١٤٥) وعلينا أن نتحلى بالقدرة على الإحساس بالندم الصادق على الأخطاء التي وقعنا فيها، وأن نمتنع عنها نهائيًا، ملتزمين بالعزم الصادق بعدم العودة إليها مجددًا.

*لا يغفر الذنوب إلا الله*

الدعاء الذي علّمه النبي صلى الله عليه وسلم، والذي يُعتبر سيد الإستغفار، هو:

”اللّهـمَّ أَنْتَ رَبِّـي لا إلهَ إلاّ أَنْتَ خَلَقْتَنـي وَأَنا عَبْـدُك ، وَأَنا عَلـى عَهْـدِكَ وَوَعْـدِكَ ما اسْتَـطَعْـت، أَعـوذُبِكَ مِنْ شَـرِّ ما صَنَـعْت، أَبـوءُ لَـكَ بِنِعْـمَتِـكَ عَلَـيَّ وَأَبـوءُ بِذَنْـبي فَاغْفـِرْ لي فَإِنَّـهُ لا يَغْـفِرُ الذُّنـوبَ إِلاّ أَنْتَ“ (صحيح البخاري:٦٣٠٦)

قال النبي صلى الله عن هذا الدعاء:

”وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ“

وفي ختام هذه المقالة أختتم بذكر آياتٍ من القرآن الكريم، تنير الدرب وتُضيء العقول.

”فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا“ (سورة النصر:٣)

”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ…“ ()

”وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ“ (سورة آل عمران:١٣٣)