الرئيسية مقالات بَيْنَ الصُّورَةِ الْمِثَالِيَّةِ وَالْوَاقِعِ الْمُتَغَيِّرُ

بَيْنَ الصُّورَةِ الْمِثَالِيَّةِ وَالْوَاقِعِ الْمُتَغَيِّرُ

288
0
بقلم أ. وسيلة بوودن
عِنْدَمَا كَتَبْتُ عَنْ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْأُمِّ وَأَبْنَائِهَا، تَلَقَّيْتُ بَعْضَ الرَّسَائِلِ فِي بَرِيدِي الْخَاصِّ، تُشِيرُ إِلَى أَنَّنِي أَعْمَلُ عَلَى تَدْمِيرِ الْعَلَاقَاتِ الْأُسَرِيَّةِ،
لِأَنَّ “اَلْكنَّةَ مِثْلُ الِابْنَةِ، وَالْحَمَاة مِثْلُ الْأُمِّ” لَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الصُّورَة الَّتِي نَطْمَحُ إِلَيْهَا جَمِيعًا، فَهِيَ تُمَثِّلُ نَمُوذَجَ التَّفَاهُمِ وَالِانْسِجَامِ دَاخِلَ الْأُسْرَةِ، غَيْرَ أَنَّ الْوَاقِعَ لَا يَسِيرُ دَائِمًا وَفْقَ هَذِهِ الْمِثَالِيَّاتِ،
فِي الْحَيَاةِ الْيَوْمِيَّةُ، نُوَاجهُ حَمَوَاتٍ مُتَقَلِّبَاتِ الْمِزَاجِ، كَمَا نُصَادِفُ كَنَاتٍ قَدْ لَا يَتَحَلَّيْنَ بِالصَّبْرِ أَوْ الْمُرُونَةِ، وَعِنْدَمَا تَجْتَمِعُ شَخْصِيَّتَانِ مُتَنَاقِضَتَانِ أَوْ مُتَقَلِّبَتَانِ تَحْتَ سَقْفٍ وَاحِدٍ، فَمِنْ الطَّبِيعِيِّ أَنْ تَحْدُثَ خِلَافَاتٌ وَتَوَتُّرَاتٌ،
هَذِهِ الْخِلَافَاتُ لَا تَعْنِي بِالضَّرُورَةِ غِيَابَ الْمَحَبَّةِ، بَلْ قَدْ تَعْكِسُ اخْتِلَافَاتٍ فِي التَّرْبِيَةِ وَالْعَادَاتِ وَالطِّبَاعِ، وَحَتَّى طَبِيعَةِ الضُّغُوطِ الْحَيَاتِيَّةِ، الْحَدِيثُ عَنْ هَذِهِ الْإِشْكَالَاتِ لَيْسَ تَدْمِيرًا لِلْأُسْرَةِ، بَلْ عَلَى الْعَكْسِ،
هُوَ مُحَاوَلَةٌ لِتَسْلِيطِ الضَّوْءِ عَلَى مَا يَحْدُثُ فِعْلِيًّا، حَتَّى لَا نَبْقَى نُمَثِّلُ الْمِثَالِيَّاتِ، وَالِاعْتِرَافُ بِالْمُشْكِلَةِ هُوَ الْخُطْوَةُ الْأُولَى نَحْوَ مُعَالَجَتِهَا، وَوَعْيُ كُلِّ طَرَفٍ بِحُقُوقِهِ وَوَاجِبَاتِهِ يُسَاعِدُ عَلَى خَلْقِ مِسَاحَةٍ مِنْ التَّفَاهُمِ،
أَعِزَّائِي الْقُرَّاءَ،
يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْكنَّةُ بِالْفِعْلِ كَابْنَةٍ ثَانِيَةٍ لِلْحُمَاةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَحْتَضِنَ الْحَمَاةُ الْكنَّةَ كَابْنَةٍ مِنْ صُلْبِهَا، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِوُجُودِ النِّيَّةِ الطَّيِّبَةِ، وَالمُرُونَةِ، وَتَقَبُّلِ الاِخْتِلَافِ،
عِنْدَهَا فَقَطْ تَتَحَوَّلُ الصُّورَةُ مِنْ مِثَالٍ مُتَخَيَّلٍ إِلَى وَاقِعٍ مَعِيشٍ يَزْدَهِرُ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّقْدِيرِ المُتَبَادَلِ، لِذَلِكَ، فِي نَصِّي السَّابِقِ لَمْ أَذْكُرِ الكَنَّةَ، وَاكْتَفَيْتُ بِذِكْرِ الأَبْنَاءِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقُمْ الأَبْنَاءُ بِوَاجِبَاتِهِمْ نَحْوَ آبَائِهِمْ، فَكَيْفَ نَلُومُ الكَنَّةَ ابْنَةَ النَّاسِ؟