صدى نيوز اس _ كمال فليج
في عمق صحراء تيماء شمال غرب المملكة العربية السعودية، تقف صخرة النصلة شامخة ومنفردة، مثيرةً فضول الزوار وعلماء الآثار والجيولوجيين على حد سواء. هذه الكتلة الصخرية الهائلة، التي انقسمت إلى نصفين متماثلين بدقة مذهلة، أصبحت رمزاً من رموز المكان، وحلقة وصل بين الأسطورة والعلم، وبين الماضي والحاضر.
من النظرة الأولى، يتبادر إلى الذهن سؤال محوري: كيف انقسمت هذه الصخرة إلى نصفين متناظرين بهذا الشكل المدهش؟
يُرجع الجيولوجيون الظاهرة إلى عمليات طبيعية بحتة، مرتبطة بعوامل التعرية والتجوية، إذ تتعرض الصخور الصحراوية لحرارة نهارية مرتفعة وبرودة ليلية قاسية، ما يؤدي إلى تمددها وانكماشها بشكل متكرر، ومع مرور الزمن تتشكل شقوق دقيقة تتوسع بفعل مياه الأمطار والرياح حتى تنقسم الكتلة الصخرية إلى جزأين.
لم تكن صخرة النصلة مجرد تكوين صخري غريب في عين الإنسان القديم، بل شكّلت معْلماً يرتبط بالهوية والتاريخ. فقد وُجدت حولها نقوش أثرية تعود إلى العصور الثمودية والآرامية، ما يعكس أهمية المنطقة كواحة عامرة وملتقى للقوافل التجارية القادمة من جنوب الجزيرة والمتجهة نحو الشام ومصر وبلاد الرافدين.
وبينما كانت تيماء مركزاً حضارياً مرموقاً عبر التاريخ، أصبحت النصلة شاهداً صامتاً على حضارات تعاقبت وديانات مرّت وأساطير نُسجت حولها.
تراث المنطقة الشفهي زاخر بحكايات تتجاوز التفسير العلمي. يروي بعض السكان أن الصخرة انقسمت بضربة سيف أسطورية، بينما يذهب آخرون إلى أنها انشقت بفعل معجزة سماوية أو بفعل قوة خارقة. تلك الروايات الشعبية، وإن بدت بعيدة عن العلم، فإنها تضيف للصخرة بعداً روحياً وسحرياً، يجعلها جزءاً من الذاكرة الثقافية للمجتمع المحلي.
اليوم، تحولت صخرة النصلة إلى معلم سياحي بارز، يجذب عشاق الطبيعة والمغامرين والمهتمين بالآثار من داخل المملكة وخارجها. يقف الزائر أمامها مبهوراً بدقة انقسامها، ويأخذ نصيبه من الصور التذكارية التي توثق لحظة الوقوف أمام أحد أعاجيب الجيولوجيا الطبيعية.
كما تمثل النصلة موقعاً بحثياً مهماً، إذ يواصل علماء الآثار والجيولوجيا دراستها لكشف أسرارها وتاريخها الممتد لآلاف السنين.
تبقى صخرة النصلة رمزاً للتلاقي بين الأسطورة والواقع؛ فهي في عين العلم نتاج ملايين السنين من التغيرات الطبيعية، وفي ذاكرة الناس معلم أسطوري تختلط فيه البطولة والقداسة والغموض. ومع استمرار الاهتمام بها، تظل النصلة أكثر من مجرد صخرة… إنها أيقونة تختزل قصة الإنسان والصحراء والحضارة في قلب تيماء.
إذا قدّرت لك الفرصة لزيارة منطقة تيماء، فلا تفوّت الوقوف أمام صخرة النصلة؛ ذلك المعلم الذي يجمع بين عظمة الطبيعة وعبق التاريخ وسحر الأسطورة. إنها ليست مجرد صخرة في قلب الصحراء، بل تجربة تأخذك في رحلة عبر الزمن، لتروي لك حكاية الإنسان والأرض والحضارة. زيارة النصلة هي لقاء مع الدهشة، وفرصة لالتقاط صورة نادرة تبقى في ذاكرتك ما حييت.







