مكة المكرمة : د. إبراهيم بن عبدالمجيد البركاتي
بكل رضًا بقضاء الله، ودعنا علَماً من أعلام الحرم، وأحد رجالات العلم والفضل، فضيلة الشيخ الدكتور شرف بن علي بن سلطان العبدلي الشريف، الذي وارى الثرى جسده، وبقيت مآثره حيّةً في القلوب، وذكراه عامرة في المجالس، وسيرته شمسٌ لا تغيب عن ضمير الزمن. لقد عُرف الشيخ – رحمه الله – بعلمه الغزير، وحلمه الكبير، وسموّ أخلاقه التي تجسدت في سكينة مهيبة ووقارٍ راسخ، لم يكن من أهل الجدل، بل من أهل البيان، إذا تكلم أصغت له القلوب قبل الآذان، وإذا درّس ألقى من معين علمه ما يروي العقول ويرقّق الأرواح. كان من المباركين في مجلسه بالحرم المكي الشريف، حيث صدح صوته بعلم الشريعة، وتناقل طلابه فقهه ورصانة بيانه، وهدوء تعليمه، وأدبه الجم في الطرح والسؤال، كان مجلسه امتدادًا لهيبة المكان، وطهارة الرسالة، ومنهجيّة العلماء الذين لا يطلبون الدنيا بعلمهم، بل يبتغون به وجه الله وحده. عاش شيخُنا عالمًا عاملًا، لا يُغريه البريق، ولا يحرّكه الهوى، كان صادق السريرة، عفّ اللسان، إذا نُقل عنه قولٌ، نُقل بالحكمة، وإذا ذُكر فعله، ذُكر بالحلم، وإذا حضر المجلس، خفَت اللغو وظهر الوقار. كان رحمه الله بحرًا من الحلم، لا يضيق صدره بمخالف، ولا يعنف في رد، بل يفيض أدبًا، ويترفع عن السجال، ويؤمن أن العالم داعية قبل أن يكون معلِّمًا، وأن الكلمة الطيبة بابٌ من أبواب الهداية. ولئن طويت صحيفة حياته في الدنيا، فإن ما خلفه من دروسٍ في الحرم، وسيرٍ في النفوس، وأثرٍ في طلابه، وأخلاقٍ في معاشرته، كل ذلك شاهد لا ينقطع، ودعاء لا يُحبس، وذِكرٌ باقٍ بإذن الله. نسأل الله أن يُعلي منزلته في عليين، وأن يرحمه رحمةً واسعة، وأن يجعل علمه صدقةً جارية، ويجزيه عن طلابه وعن الأمة خير الجزاء. “إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اجبر كسرنا، وارزقنا في مصابنا خلفًا، ولا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر له ولنا.” رحمك الله يا أباعلي، ورفع ذكرك كما رفعت راية العلم في أطهر البقاع، وجعل مقامك عنده في أعلى عليين. وصل الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.







