الرئيسية سياحة إيمدغاسن… شاهد صامت على مجد النوميديين

إيمدغاسن… شاهد صامت على مجد النوميديين

477
0

الجزائر _ كمال فليج 

في أعالي جبال الأوراس الشامخة، وعلى بُعد نحو ثلاثين كيلومتراً شمال شرق ولاية باتنة، ينتصب ضريح إيمدغاسن شامخاً منذ أكثر من ألفي سنة، ليحكي للأجيال قصة حضارة عريقة وحكمٍ نوميدي سابق للوجود الروماني في شمال إفريقيا.

يضرب هذا المعلم الأثري بجذوره في القرن الرابع قبل الميلاد، حيث شُيّد ليكون مرقداً ملكياً للملك النوميدي إمدغاسن. وما يلفت الانتباه أنّ تصميمه يجمع بين الشكل الدائري الضخم والهيئة الهرمية، في مزيج معماري قلّ نظيره. يبلغ قطره حوالي ستين متراً، فيما يصل ارتفاعه إلى ثمانية عشر متراً، تحيط به إحدى عشرة دعامة نصف بارزة تزيده هيبة وجمالاً.

يروي الأهالي أساطير متفرقة حول الضريح، بعضها يربط بناؤه بوفاء جنود الملك له، وبعضها الآخر يربطه بعقائد جنائزية قديمة كانت تقدّس الملوك وتخلّدهم بمعالم ضخمة. لكن المؤكد تاريخياً أنّ إيمدغاسن يُعتبر أقدم ضريح ملكي في الجزائر، وأحد أقدم الشواهد على تطور فنون العمارة لدى النوميديين.

لا يُنظر إلى إيمدغاسن باعتباره قبراً حجرياً فحسب، بل كرمز لهوية تاريخية تُجسّد حضور الأمازيغ الأوائل في شمال إفريقيا. فالمعلم يكشف عن وعي عمراني متقدم وقدرة على مزج الرمزية بالهندسة، بما يجعل من الضريح مرجعاً حضارياً لا يقل قيمة عن أضرحة الملوك الموريين أو قبر الرومية بتيبازة.

رغم قيمته التاريخية، يعاني الضريح من الإهمال والتعرية الطبيعية بفعل العوامل المناخية، ما يستدعي جهوداً أكبر في الترميم والتثمين. فالزائر اليوم يجد نفسه أمام معلم أثري فريد، لكنه في حاجة إلى عناية مستمرة ليبقى صامداً في وجه الزمن، وليستعيد مكانته كوجهة سياحية وتاريخية عالمية.

يظل ضريح إيمدغاسن شاهداً صامتاً على حضارة الأجداد ومجداً لم يندثر، ورمزاً لهوية جزائرية ضاربة في أعماق التاريخ. وهو دعوة مفتوحة للباحثين والمهتمين بالتراث كي يقتربوا من أسراره، وللسلطات والمؤسسات الثقافية من أجل إدماجه في خارطة السياحة الوطنية والدولية، بما يليق بمكانته كأحد أقدم المعالم الأثرية في إفريقيا.