الجزائر _ كمال فليج
على عرش الأطلس البليدي، حيث تعانق الجبال السهول وتتمازج الخضرة مع زرقة السماء، هناك مدينة تكتب قصيدتها كل يوم… اسمها قصر البخاري. ليست مجرد مدينة، بل روح تمشي على تراب الجزائر، تحمل في أزقتها رائحة التاريخ، وفي وجوه أهلها ابتسامة الأمل.
منذ أن شيد رجل صالح يُدعى البخاري قصره بين هذه الربوع، صار المكان عنواناً للسكينة، و وشماً في ذاكرة العابرين. حملت المدينة اسمه، فصار الاسم قدراً، وصارت الحكاية تراثاً، كأن التاريخ ارتدى عباءة خالدة ليقول: هنا يسكن المجد.
قصر البخاري ليست شمالاً ولا جنوباً، إنها الجسر بينهما. ليست جبلاً ولا سهلاً فقط، إنها لوحة تجمع بين التضاريس كأنها قطعة فسيفساء رسمتها يد الطبيعة بعناية. كل زائر يراها يجد نفسه في مرآة، فهي تُشبه الجميع وتبقى مختلفة عن الجميع.
كانت أسواقها تضج بالحركة، وأراضيها تنبض بالزرع، ونساؤها يطرزن في النسيج قصائد صامتة، بينما الرجال يزرعون الأرض ويغزلون من عرقهم رغيف الكرامة. كانت الزراعة ليست مجرد مهنة، إنها حوار صادق بين الإنسان والأرض. وهنا التجارة ليست تبادلاً للسلع فقط، بل لقاء بين الوجوه والقلوب.
في قصر البخاري، يُعرَف الناس بالكرم قبل الأسماء، وبالشهامة قبل الألقاب. إذا زرتهم، وجدت الأبواب مشرعة، والمجالس عامرة بالقهوة وحديث الذكريات. هناك، الضيافة ليست عادة، بل عقيدة متوارثة، كالنور الذي يضيء بيوت الطين والحجر.
حين تغرب الشمس على جبال ، يكتسي الأفق بحمرة تشبه خجل العذارى، وحين يطل الصباح، تستيقظ المدينة على أصوات الباعة، على خطوات الأطفال، وعلى دعاء المصلين الخارجين من المساجد القديمة التي تعانق السماء بمآذنها.
إنها مدينة تحمل في قلبها أفقاً مفتوحاً على الغد. ليست أسيرة الماضي، وإن كانت تفخر به. وليست سجينة الحاضر، وإن كانت تنبض فيه. إنها مدينة تمشي نحو المستقبل بثبات، كعروس تزف إلى قدرها، جميلة في كل حين.







