حاورها لصدى نيوز اس _ كمال فليج
يظل الشعر واحدًا من أنقى أشكال التعبير الإنساني، فهو مرآة للروح وفضاء رحب للبوح والتأمل. وفي هذا الحوار، نقترب من الشاعرة خديجة سويفي من ولاية اولاد جلال الجزائرية للتعرف على بداياتها، مصادر إلهامها، ورؤيتها لمكانة الشعر في زمن التحولات الثقافية والإعلامية.
كيف بدأت رحلتك مع الشعر، ومتى اكتشفت موهبتك؟
- بدأت رحلتي مع الشعر منذ طفولتي أرى امي تغازل مغزل الصوف وتغني وتقول الشعر كتلهية للوقت وهي ورثته من جدتها شاعرة في حفلات وتجمعات خاصة بنسوة البلدة … وانا كأي فتاة صغيرة كنت منذ نعومة أظافري اتمتع بالحس الفني في مجال الرسم والغناء وكتابة قصص قصيرة كتعبير كتابي واكتشفت موهبة الشعر وأنا في سن 13 سنة.
ما أول قصيدة كتبتها، وهل ما زلت تحتفظين بها؟
- اول قصيدة كتبتها عندما بدأت بإنغماسي الفعلي واللاارادي في عالم الشعر الشعبي رغم انني اكتب الفصيح، لكن الموروث الشعبي شغفني لكلماته النادرة والجميلة بدأت ارث هذا التراث لا اراديا شيئا فشيئا، كتبت اول قصيدة لأمي بعنوان ڨلبي مع ذاك الزين الخالدية وقصيدة اصلي انا عربان وفحولة، وهذه الاخيرة هيا اول انطلاقة بدأت بها كفال لمشواري الفني في مجال الشعر الشعبي الذي بدأ يلمع ولبنة هذه الانطلاقة في مهرجان وطني ببلدية سيدي خالد ولاية بسكرة 2010 .
من كان الداعم الأول لمسيرتك الشعرية؟
- امي وابي هم الداعم الوحيد لمسيرتي، رغم العراقيل والافكار المغلقة والمتحفظة لمنع وجود النساء البلدة في المحافل والمهرجنات المحلية من طرف رجالها، فهو يعتبر كسر لحاجز تقليدي واحترامي للمرأة ان تخرج وتلقي الشعر امام مجموعة من العامة يعتبره آخرون إهانة لكرامتها وكينونتها المحافظة وعبئا وعيب كبير ، ورغم الطابع التقليدي المنغلق والتراثي المتحفظ لاهل البلدة، قاومت كل هذه العراقيل من الصغر بالمشاركة في الملتقيات والمهرجنات المحلية والوطنية، بتشجيع من الاهل الداعم الاكبر لي من الصغر، رغم ان اهل البلدة من عشاق الشعر الشعبي ومعروفة كل بيت فيها شاعر .
ما أبرز مصادر إلهامك في الكتابة الشعرية؟
- من وحي الخاص ومن الطبيعة كمناظر الصحراء والبدو والغابات، ومن الدردشات مع كبار السن في العائلة، المتحفظ لاصل اللهجة الام والكلمات المفقودة، وايضا لا انسى القراءة المتكررة للكتب وبعض الروايات، والتي بدورها اعطتني قوة الارادة وشغف الكتابة، وكذا تنوع القراءة لبعض شعراء الشعر الشعبي من مصادر متنوعة، لتزويد وتشبع افكاري بالموروث الثقافي، كلها إلهامات تحفزني على كتابة الشعر الشعبي.
هل تكتبين في لحظات الفرح أكثر أم في لحظات الحزن؟
- في كلتا الحالتين له احساس مرهف متعلق بالحالة النفسية، اكتب اكثر في حالة الحزن تفيض بها مشاعري للحنين أكثر لكتابة اشعاري مع فنجال قهوة، وافضل العزلة في غرفة هادئة أو مكان مخصص في البيت هادئ، انطوي مع كتاباتي وقد تكون أحيانا حتى في ساعات متأخرة من الليل، تصب كل افكاري على شكل قصيدة انقلها الى القارئ، فالشعر ينبع من المشاعر الانسانية الصادقة لهذه الاحاسيس النبيلة فهو لغة صادقة معبرة عن حالة الشاعر .
كيف تختارين موضوعات قصائدك؟
- لا ادراديا يشتعل الحس الداخلي في اعماقي على شكل قصيدة استلهم من التجارب الشخصية وحب التغزل بجمال البادية وطبيعة المرأة العربية، وطبيعة سكان البدو والترحال وعن المعاناة وعن الحب، أختار أجمل المواضيع في مخيلتي الواسعة، وانا كشاعرة شعر شعبي اركز في المفردات اللهجة خاصة الفقودة منها وأعتني بها في نبض قصائدي.
أيهما أقرب إلى روحك: الشعر العمودي أم الشعر الحر؟
- الشعر العمودي اقرب الى قلبي اكثر، احس فيه جمال الندرة والاصالة، فهو لبنة الشعر العربي الاصيل، يعتمد على الالتزام بقواعد علم العروض ويتميز بالوحدة الموضوعية واللفظية، الشعر الحر يجذبني وأحب ان اكتبه، لكن يبقى الشعر الشعبي هو الاقرب الى قلبي لان طبيعة اهل البلدة التي تربيت فيها شعراء شعر شعبي (الشعر العمودي )، وهذا يكفي ليزيدني حبا وتعلق في الشعر العمودي .
ما رأيك في حضور الشعر اليوم مقارنةً بالرواية والوسائط الرقمية؟
- ارى ان حضور الشعر اليوم نادر جدا مقارنة بالرواية والوسائط الرقمية قليل منهم من يهتم لروح الكتابة بالورقة والقلم بعيدا عن الانغماس في التكنولوجيا او فتح كتاب على الواقع لا المواقع، فهو مهم جدا في فهم احاسيسنا بعمق نحو العالم الخارجي وتقديرنا له وتقييم انفسنا، فهو يخرجنا من منعزل ضيق محبوس في اضواء شاشة الهاتف او الكمبيوتر الى متسع من النضج وتوهج الافكار والثقافة، التي تحدد اهمية تواجدنا في مجتمع مع العالم الخارجي، والتي تعدل معدل النضج الغائب فينا فكريا، في زمن غلبت عليه الرقمنة وهذه الاخيرة اراها مهمة اذا الانسان المثقف الواعي يعرف كيفية استخدامها بشكل صحيح للقارىء اليوم .
كيف تقيمين دور المرأة الشاعرة في الساحة الأدبية؟
- جميل وفريد من نوعه، رغم كل شيء تبقى المرأة لها دور محوري وجوهري في تشكيل الوعي الثقافي والاجتماعي، سامهت بفاعلية في مختلف الاجناس الادبية كصوت مؤثر أنثوي قوي، يعزز قوة الارادة والطموح، وهذا لايصال رسالة عن تجاربها الذاتية كإمرأة ناضجة واعية ومثقفة، تعكس صورة تجارب مختلفة لمجموعة نسائية، في سياقات مختلفة وأزمنة مختلفة عبر العصور، لتطور الادب الشعبي والمشاركة في الساحة الادبية .
هل تعتبرين الشعر رسالة اجتماعية وإنسانية، أم مجرد تعبير ذاتي؟
- اعتبر الشعر رسالة عامة وهادفة، فهو مزيج له بعد ذاتي انساني واجتماعي، يعالج القضايا والمشاكل حسب طبيعة موضوع الرسالة، والتي يعبر فيها الشاعر عن حالة الناس الاجتماعية واحوالهم السياسية وغيرها من المعاناة التي يعيشها المجتمع، فهو يعالج القضايا العميقة والحساسة للافراد والدفاع عن حقوق الانسان، ويساهم في تعزيز بناء النضج والوعي الثقافي بينهم ويحمل هموم الناس ولا يقتصر على مجتمع واحد بل يعالج المشاكل الانسانية، واحيانا قد يكون ذاتيا يعبر الشاعر فيها عن حالته الشخصية العميقة والعاطفية، خاصة حسب الحالة النفسية حزين او فرح او في حالة اكتئاب وقلق… الخ.
كيف تتعاملين مع النقد، سواء كان إيجابيًا أم سلبيًا؟
- النقد البناء اتعامل معه كمصدر قوة لي لانه يطور من ذاتي من خلال توضيح وتركيز على نقاط ضعف لم اكتشفها، فالنقد البناء يكشف لي النقائص بطريقة ديبلوماسية حضارية مقبولة النقد، والتي اعمل على تكميلها وترميمها والعمل عليها اكثر لتفادي كل هذي العراقيل، النقد السلبي اتعامل معه بعدم اللامبالاة فهذا الاخير حقيقة لا يستحق الرد لاسيما ان كانت بعض الكلمات جارحة او خارجة عن سياق الموضوع بألفاظ مستفزة تميل للعدوانية ليس لها وزن بناء، إلا تحطيم المعنويات والمشاعر، فبعض الامور لايجب الاخذ بها كإنتقاص من الذات بل توجيه شخصي للأخطاء والنقائص والعمل عليها والتركيز فيها لتحويلها لعمل مثمر .
هل تؤمنين أن الشاعر يعيش دائمًا حالة صراع داخلي مع ذاته؟
- نعم وبكل تأكيد خاصة في التقلبات والصراعات النفسية التي يعيشها الشاعر بينه وبين ذاته التي تترجم مجموعة من الرغبات المختلفة، التي يعيشها في تقلباته بينه وبين الواقع، حيث تترجم الاحاسيس والمشاكل النفسية لضغوطات، تعكس جدله العميق مع ذاته والتي تتحول من احاسيس مكبوتة الى كتابات محررة، لها وزن وقيمة وجوهر حسي فريد من نوعه .
ما المكانة التي يحتلها الوطن في قصائدك؟
- له الأولوية والفخر والاعتزاز خاصة بإنتمائي لوطن عربي مثل الجزائر بلد الشهداء والبطولات، قارة مليء بالعادات والتقاليد وهو الانتماء العاطفي، والمركز الروحي والوجداني لكل قصائدي، ومبعث إلهامي وأحاسيسي، وهو المكان الذي ارتبط اسمي بوجوده كإنسان بروح وجسد، وهو الأم الحنون التي ترعرعت في احضانها، له مساحة خاصة في قلبي وفي كلماتي، تتماشى مع قصائدي، فالانسان بلا وطن كالإنسان بلا هوية لا ماضي له ولا حاضر ولا مستقبل، وحب الوطن مغروس في الذات ومن لا يحب وطنه، خائن لعرضه قبل ارضه.
هل تفكرين في تجريب أنماط أدبية أخرى مثل القصة أو الرواية؟
- نعم من باب التنويع احب ان اخوض تجربة انماط أدبية مختلفة كالقصة او الرواية لما لا، فالقصة القصيرة الواقعية منها والخيالية لها تشويق خاص عند القارئ، عندما تكون احداثها متسلسلة مرتبة فيها الاثارة والتشويق، والرواية الطويلة لما لا، اتناول فيها تجربة انسانية او شخصية، بخيال واسع ومشوق لأحداث لا يمل منها القارىء، وهذا من باب المحاولة، فهذا الشيء يحفزني اكثر وأشعر بالانتماء لذاتي اكثر.
ما الرسالة التي تتمنين أن تصل من خلال شعرك إلى القارئ؟
- استخدم لغة الادب الشعبي في قصائدي لتسهيل فهم رسالتي للقارىء البسيط والمثقف، والتي احاول فيها دعوة القارىء للتأمل في كلماتي بمشاركة الافكار الخاصة، والهدف منها قد يكون انساني او اجتماعي او ذاتي ، واحيانا يكون جوهر المشاركة ثقافي، كالتعريف بجمال وأناقة ورقي المرأة العربية في القدم، وكذا التغزل في الطبيعة بهدف اثارة وتفاعل القارىء لهذه الكلمات، وهي لبنة الفكر وعصارة لب القصيدة، وهذا قصد التأمل والانغماس في هذه التجربة الشخصية، التي تعبر عن حب الذات والوطن، والحالة الاجتماعية والتي تعكس قيم موضوعية اجماعية، بوسعها حل المشاكل والقضايا في وقتنا الحالي.
ما مشاريعك وطموحاتك المستقبلية في عالم الأدب والشعر؟
- تتجسد في السعي للكمال الفني والابداع نحو التقدم والازدهار بهذا الموروث الثقافي الشبه منعدم والنادر، القليل فقط من يهتم به ويتقنه ومنهم الكبار في السن، والذي توارثه الاجيال من الاجداد وان نورثه لما لا للأحفاد، وأن يكون ذا قيمة و وزن ثقافي عالي، في الساحة الفنية الأدبية وهذا بالمحافظة عليه، بتجديد ظهوره من جديد وان يخلد ببقاء وحلاوة اللهجة الأم، بكلماتها النادرة والشبه مفقودة في التواصل لدى ابنائنا، والتي قاربت لإنعدام مفردات هذه اللهجة، وهذا بالتركيز أكثر بالاهتمام والتطور بالموروث الادب الشعبي، والمحافظة عليه من زوال فهذه اللهجة المميزة والقريبة جدا من اللغة العربية الفصيحة نادرة حقا وتستحق البقاء .
بهذا نختم حوارنا مع الشاعرة بنت الزيبان خديجة سويفي التي أطلّت علينا من خلال كلماتها ورؤاها لتؤكد أن الشعر لا يزال حاضرًا في وجدان الإنسان، مهما تغيرت الأزمنة وتعددت وسائل التعبير. شكراً لها على ما تقاسمته معنا من تجربة وإضاءات، متمنين لها مزيدًا من التألق والإبداع.







