عـــــــــادل بكري
جازان /صدى نيوز إس
في حياةٍ تزداد قسوتها يومًا بعد يوم، وتضيق فيها صدور الناس بما يحملونه من هموم وآلام، يصبح جبر الخواطر ضرورة إنسانية لا ترفًا أخلاقيًا. إنه خُلق لا يُتقنه إلا أصحاب القلوب الرحيمة، والعقول الراجحة، والنفوس التي ما زالت تنبض بالحياة.
جبر الخواطر ليس مجرد تصرّف مؤقت أو مجاملة عابرة، بل هو موقف يعكس عمق الإنسانية فينا، وصدق الإحساس بالآخر. هو أن تضع نفسك مكان من أمامك، فتشعر بألمه قبل أن ينطق، وتقرأ الحزن في عينيه دون أن يبوح، وتواسيه بكلمة، أو نظرة، أو حتى بصمتٍ فيه احترام لمشاعره.
وهو ليس فقط في الكلمة الطيبة، بل في التجاوز عن الزلّة، وفي الاحترام عند الخلاف، وفي الدعم عند السقوط، وفي الرفق في مواضع القسوة. هو أن تكون يدًا تُمسك قبل أن يقع القلب، وكتفًا يُسند قبل أن تنحني النفس.
قالوا قديمًا: “من جبر خاطرًا، جبر الله خاطره”، وليس هذا من باب المبالغة، بل من عظيم ما لجبر الخواطر من أثر في النفس، ومن جزاء كريم من الله. فقد علّمنا الإسلام أن الكلمة الطيبة صدقة، وأن رفع الأذى عن الطريق عبادة، فكيف بمن يرفع الأذى عن قلبٍ مكسور أو نفسٍ موجوعة
العظماء ليسوا فقط من صنعوا التاريخ أو تركوا بصمتهم في المجتمعات، بل هم أولئك الذين مرّوا في حياة غيرهم فغيّروها بلطفهم، بكلمة في وقتها، أو موقف فيه إنقاذ للروح. أولئك الذين جعلوا من جبر الخواطر عادة لا تُنسى، وخُلقًا لا يُباع ولا يُشترى.
وما أجمل أن يكون لسانك لسان رحمة، لا يجرح، لا يُهين، لا يستخف بضعف الآخرين، بل يواسي، ويحنو، ويُشعرهم أنهم ليسوا وحدهم. فالناس لا ينسون من جبر خواطرهم، ولو بعد سنوات، لأن الكلمة التي تأتي في لحظة ضعف تبقى في الذاكرة وكأنها شفاء لا يُنسى.
وفي الختام، لنجعل من جبر الخواطر أسلوب حياة، لا مجرد لحظة عابرة. لنجعل قلوبنا محطات راحة للآخرين، وألسنتنا نوافذ نور لا تُطفئ أحدًا.
وفي وقتٍ أصبح فيه التراحم نادرًا، كُن ممّن يُحيي القلوب بلينه، ويُعيد التوازن بلطفه، ويُشعِر الآخرين أنهم ما زالوا مُقدّرين ومحبوبين.
في عالمٍ مليء بالضجيج، كُن صوتًا للرحمة، وفي زحمة الوجع، كُن طوق نجاة للآخرين أثناء الوقوف بجانبهم،
والعون الذي يحتويهم بلطفٍ ورحمة بعد الله سبحانه وتعالى.






