بقلم: رامي حزيمي
يُقال في المثل العربي: “فاقد الشيء لا يُعطيه”، وهي عبارة تختصر حقيقة عميقة مفادها أن من لا يملك صفة أو تجربة أو قيمة، لا يستطيع أن يمنحها للآخرين مهما حاول.
وهذا المثل لا يقتصر على حالة بعينها ، بل نلمسه في بيوتنا ومدارسنا وبيئات العمل من حولنا.
فهناك قصص من الواقع تحكي إحدى القصص عن أبٍ نشأ في بيئة قاسية لم يعرف فيها الحنان والعطف، وعندما كبر وأنجب أبناءه، وجد نفسه عاجزًا عن التعبير عن مشاعره تجاههم ، كان يحبهم، لكنه لم يتعلم كيف يُظهر هذا الحب، فانعكس ذلك على أبنائه الذين كبروا وهم يجهلون معنى الدفء الأسري.
وفي حقل آخر ، نجد معلمًا فقد الشغف بالتعليم لأنه لم يلقَ التقدير في حياته، فأصبح يدرّس بلا روح ؛ وطلابه يدرسون بلا حماس، لأن معلمهم فاقد الإلهام لا يستطيع أن يُلهِم غيره.
فالواقع الاجتماعي في مجتمعنا اليوم تتجلى فيه هذه الظاهرة في صور متعددة فمن لم يُربَّ على الاحترام يصعب عليه احترام الآخرين ، ومن لم يُقدَّر لا يعرف كيف يُقدّر غيره ، ومن لم يتذوق طعم العطاء، لا يشعر بلذته حين يمنح ، وهكذا تتوارث الأجيال الفقد، ما لم يُكسر هذا السلوك بالوعي والإصلاح الذاتي.
فالحلول الممكنة تأتي بإعادة بناء الذات و على كل فرد أن يواجه نواقصه بصدق ويسعى لاكتساب ما فقده بالتعلّم والتجربة ، وبالدعم النفسي والاجتماعي بتعزيز برامج الدعم النفسي في المدارس والأسر لتعليم مهارات التواصل والتعبير الإنساني ، ناهيك عن وجود القدوة الحسنة فوجود قدوات إيجابية في المجتمع يُعيد توازن القيم، فالقيم تُكتسب بالمشاهدة لا بالكلام فقط أما جانب التثقيف الأسري فهو أهم دور و يجب توعية الآباء والأمهات بأهمية الحنان والاحتواء.
ختاما إن “فاقد الشيء لا يُعطيه” ليست جملة للإحباط، بل دعوة للتأمل والإصلاح ؛ فالعطاء يبدأ من الامتلاء الداخلي، ومن أراد أن يمنح الحب أو الحكمة أو الاحترام، فعليه أن يبدأ باكتسابها في ذاته أولًا ، حينها فقط يمكن أن يتحول مجتمعنا من دائرة الفقد إلى دائرة العطاء والنماء.






