الرئيسية مقالات عُنفوان

عُنفوان

110
0

 

محمد الرياني

ها نحن يا سيدتي نقتربُ من شمسِ الظهيرةِ أكثر ، ودَّعنا الصباحَ ونحن نلتفتُ نحوه ، لا نريده أن يتركنا أو نتركه ، لم نشبعْ بعد من قُبلتِه الواسعةِ التي تجاوزتْ كلَّ مفاتنِ القُبلات ، ولم يشبعْ هو منا ونحن الذين افترشنا الأرضَ فوقَ ظلاله ، سلبْنا من العصافيرِ تغريدَها ، ومن نسيمِه تعطَّرنا حتى تمثَّلْنا الصباح .

اقتربَ وجهُ الظهيرةِ ونحن نخبئُ خدودَنا من لفحِ الشمس ، نخافُ على وجنتينا من قبلةٍ ساخنةٍ تزينُ حُمرةَ الصباح ، ونستلذُّ بندى القُبلةِ العذبة ، ومعها خطوطُ الإشراقِ عندما كان الإشراقُ في قمته .

لم تكن شمسُ الظهيرةِ كالشمسِ التي كنا ننتظرها ، ضربتْها الغيرةُ فاستمطرتْ سحابةً رقراقةً تشبهُ سوادَ العيون ، بينما الخيوطُ تهدبُ من فوقها .

تألقتِ الظهيرةُ وتكوَّنتْ صُبحًا يشبهُ أهدابَ الصباح ، فعلتْ بنا الظهيرةُ الجميلةُ مثلما فعلَ بنا الصباح ، ألقى قُبلاتِ العنفوانِ في منتصفِ النهار ، اختلطتْ دموعُ الحُبِّ بدموعِ منتصفِ النهار .

هطلَ الهتانُ ونحن نصِلُ الصباحَ الحقيقيَّ بالصباحِ الذي جاء من بعده في وسطِ اليوم .

أخذْنا نركضُ وما شبعنا من الركضِ بعد ، اتخذْنا من النهارِ ملعبًا نطلقُ على مساحتِه القبلاتِ التي تبخرتْ في ثنايا المطر

قلتُ لها عن الصباحِ وعن الظهيرة : هل سيتكررُ هذا اليوم ؟

أجابتْ وهي تعنيني : بأنني أشبهُ الصباحَ وصِنوَ الصباحِ الذي حضرَ بعده .

احمرَّتْ وجنتايَ من الخجلِ وأنا أقول لها : ما أروعَ الصباحَ الذي جمعَنا !

كرَّرتْ ما قلتُه وقالت : ما أروعَه من صباحٍ جمعَنا !

ودَّعنا النهارَ ونحن نسبحُ في الأحلامِ ؛ يبللُ أقدامَنا المطر .