الرئيسية مقالات “وقود كيرالي… طاقة ذكية تُعيد تشكيل الطبيعة”

“وقود كيرالي… طاقة ذكية تُعيد تشكيل الطبيعة”

92
0

 

بقلم الدكتور /

مازن إسماعيل محمد : مكة المكرمة:-

في عالم الكيمياء الحديثة، يبرز مفهوم الوقود الكيميائي الكيرالي (Chiral chemical fuels) كابتكار يجمع بين حركة الجزيئات الدقيقة والتطبيقات البيئية الواعدة. هذه الجزيئات تتميز بخاصية تُعرف بالكيرالية (Chirality)، أي أنها لا تتطابق مع صورتها في المرآة، تمامًا كما تختلف اليد اليمنى عن اليسرى. وغالبًا ما تحتوي الجزيئات الكيرالية على ذرة كربون غير متماثلة ترتبط بأربع مجموعات مختلفة، مما يمنحها خصائص فيزيائية وكيميائية مميزة تؤثر على سلوكها في التفاعلات

الوقود الكيميائي الكيرالي لا يُستخدم فقط كمصدر للطاقة، بل يلعب دورًا مهمًا في توجيه مسار التفاعلات الكيميائية أو ما يُعرف بالتجمع الذاتي فوق الجزيئي (Supramolecular self-assembly)، أي أن الجزيئات تتجمع تلقائيًا لتكوين هياكل منظمة. في الأنظمة غير المتزنة (Out-of-equilibrium)، يمكن لهذا الوقود أن يُحفّز تكوين هياكل مؤقتة أو متعددة الحالات، تتغير حسب نوع الوقود وظروف التفاعل. هذا التفاعل لا يعتمد على الروابط التساهمية القوية، بل على قوى ضعيفة مثل الروابط الهيدروجينية والتفاعلات الكهروستاتيكية،

مما يسمح بتشكيل بنى حلزونية يمينية أو يسارية، ويؤثر على النشاط الضوئي والانتقائية الكيميائية للمواد الناتجة.

كشفت الدراسات الحديثة عن إمكانات مذهلة لهذا النوع من الوقود. أحد الأبحاث تناول التحكم في الكيرالية فوق الجزيئية باستخدام أنواع مختلفة من الوقود الحمضي، مما أدى إلى تجمعات ذاتية ديناميكية تُظهر كيرالية مؤقتة أو مستقرة. بحث آخر ركّز على الهياكل النانوية الكيرالية والتوبولوجية (Chiral and topological nanostructures)، حيث تم بناء هياكل نانوية باستخدام التجمع الذاتي، يمكن استخدامها في تطوير مواد ذكية مثل المستشعرات أو المحفزات البيئية. كما استعرضت دراسات أخرى طرق تصنيع أسطح ذات تجمع ذاتي كيرالي باستخدام جزيئات حيوية أو صناعية، مستلهمة من الطبيعة مثل الحمض النووي (DNA) والبروتينات.

ورغم أن هذه الأبحاث تُعد من الكيمياء الأساسية، إلا أن تطبيقاتها المستقبلية تحمل إمكانات بيئية كبيرة، مثل تصميم مواد قابلة للتحلل أو التدوير، وتطوير محفزات كيرالية صديقة للبيئة لتحفيز تفاعلات انتقائية، وتنقية المياه أو الهواء باستخدام هياكل فوق جزيئية تلتقط الملوثات أو تُفككها، ومحاكاة العمليات الحيوية مثل التمثيل الضوئي لإصلاح الأضرار البيئية بطريقة مستدامة.

العبارة “Chiral chemical fuels trigger two very different supramolecular self-assemblies” تعبّر عن قدرة هذه الجزيئات على تحفيز تشكيل بنيتين جزيئيتين مختلفتين تمامًا، اعتمادًا على نوع الكيرالية المستخدمة. هذا التشكيل لا يحدث في حالة التوازن، بل يتم التحكم فيه ديناميكيًا بواسطة نوع الوقود، مما يفتح آفاقًا جديدة لفهم التنظيم الجزيئي في الأنظمة الحية وتصميم مواد متعددة الحالات.

الوقود الكيميائي الكيرالي لا يمثل مجرد تطور في مجال الكيمياء، بل هو خطوة نحو فهم أعمق للطبيعة نفسها. يمكن للعلم من خلاله أن يصمم مواد ذكية تتفاعل مع البيئة وتُسهم في بناء مستقبل أكثر استدامة. وبينما لا تزال هذه التطبيقات في مراحلها البحثية، فإن الأفق العلمي ينبئ بثورة بيئية قادمة، تقودها جزيئات صغيرة ذات تأثير كبير.