بقلم: أحمد علي بكري
جازان… وجهة تتألق في موسم الهجرة
مع بداية موسم الخريف من كل عام، تتحول سماء منطقة جازان إلى لوحة فنية نابضة بالحياة، تتراقص فيها أسراب الطيور المهاجرة القادمة من أقاصي الشمال متجهة نحو الجنوب الدافئ. تمتد هذه الرحلة السنوية لتشمل مئات الأنواع من الطيور التي تمر عبر أجواء المنطقة أو تتخذ من سهولها وجزرها ومستنقعاتها الساحلية محطة للراحة والتغذية قبل مواصلة رحلتها الطويلة.
70 نوعاً من الطيور… وجازان موطنٌ متميز لها
تُعد جازان بموقعها الجغرافي الفريد بين اليابسة والبحر الأحمر، واحدة من أهم محطات الطيور المهاجرة في الجزيرة العربية، إذ تتقاطع فيها المسارات الدولية للطيور القادمة من أوروبا وآسيا وشمال إفريقيا.
وتستضيف المنطقة أكثر من 70 نوعاً من الطيور المهاجرة، من أبرزها العقاب النساري، البلشون الأبيض الكبير، مالك الحزين، الفلامنغو الوردي، الباز الصقري، والخرشنة النهرية، إضافة إلى الطيور الصغيرة مثل السمان، الوروار، القمري، والسنونو البحري.
ويزدان المشهد الطبيعي في جازان أيضًا بوجود أنواع نادرة من البط والصفاري التي تستقر في المسطحات المائية والمستنقعات القريبة من السواحل ومناطق المنجروف. ومن أبرز هذه الأنواع البط الصافي (الشهرمان)، البط الأحمر الرأس، بط الغرّ، البط الرخامي، بط الشرشير الصيفي والشتوي، البط الأبيض الوجه، والبط الغطّاس صغير الحجم، إضافةً إلى الصفاري الأصفر والصفاري المطوّق اللذين يُعدّان من الأنواع المهاجرة النادرة التي تُشاهد في المنطقة خلال أشهر الشتاء.
المنجروف… ملاذٌ آمنٌ للأجنحة العابرة
ومن أبرز البيئات التي تجذب الطيور المهاجرة في جازان مناطق أشجار المانغروف (المنجروف) المنتشرة على السواحل الممتدة من الكورنيش الجنوبي، وحتى سواحل المضايا والموسم وجزر فرسان.
تُشكل هذه الأشجار الساحلية بيئة غنية ومحمية طبيعية، توفر للطيور ملاذًا آمنًا للتعشيش والتغذية، خصوصاً للأنواع المائية والطيور الساحلية. ويُعد غطاء المنجروف في جازان من الأوسع في المملكة، مما يضفي على المنطقة أهمية بيئية فريدة على مستوى البحر الأحمر.
وجهة عالمية لعشاق تتبّع الطيور
ولا يقتصر المشهد على الطبيعة الساحرة فحسب، بل أصبحت جازان اليوم وجهة جاذبة لعشّاق رياضة تتبع الطيور (Birdwatching) من داخل المملكة وخارجها.
فقد باتت المنطقة تستقطب هواة هذه الرياضة من دول إقليمية وعالمية، خصوصاً من أوروبا ودول الخليج، لما تمتاز به من تنوع بيئي وثراء طبيعي نادر. ويقصد هؤلاء الزوار مناطق مثل ساحل الموسم، وجزر فرسان، ووادي خلب، وسد وادي جازان لتوثيق مشاهداتهم ومراقبة الطيور المهاجرة بعدساتهم وكاميراتهم الاحترافية.
مهرجان للطيور المهاجرة… فكرة تستحق الدعم
ومع هذا الزخم الطبيعي الفريد، يرى مختصون أن هذه الظاهرة البيئية تستحق أن يُقام لها مهرجان سنوي خاص بالطيور المهاجرة في جازان، يحتفي بجمالها، ويُسهم في رفع الوعي البيئي، ويُعزّز السياحة الطبيعية والتصوير الفوتوغرافي.
مهرجان كهذا سيكون فرصة للتعريف بالثروة البيئية في المنطقة، ودعوة للباحثين والمصورين حول العالم لاكتشاف التنوع الفريد في جازان، التي غدت بحق بوابة الطيور المهاجرة إلى الدفء ومسرحاً للجمال الطبيعي الفطري.
جهود لحماية الإرث البيئي وتعزيز السياحة الطبيعية
تُشرف الهيئة الوطنية للأرصاد وهيئة البيئة والمياه والزراعة، بالتعاون مع محمية جزر فرسان، على مراقبة حركة الطيور وتوثيق أنواعها، والعمل على حماية المناطق الحساسة بيئيًا من التعديات. كما تسعى الجهات المختصة إلى تعزيز السياحة البيئية وتنظيم الرحلات الميدانية التوعوية للمواطنين والطلاب.
وفي السنوات الأخيرة، شهدت المملكة نموًا ملحوظًا في ثقافة وهواية تتبع الطيور، حيث تأسست مجموعات متخصصة مثل جمعية الطيور السعودية وعدد من الفرق التطوعية التي تنظم رحلات لرصد الطيور وتبادل المعلومات حول أنواعها ومواسم هجرتها.
في النهاية، تبقى جازان موطناً نابضاً بالحياة والتنوع، وبوابةً كبرى للطيور المهاجرة إلى الدفء.
هنا يلتقي العلم بالشغف، والطبيعة بالجمال، في موسمٍ يجمع بين الرحلة والحياة، وبين هدوء الأفق وصخب الأجنحة، لتثبت جازان أنها ليست فقط أرض البحر والزرع، بل أيضاً جنة الطيور المهاجرة ومهوى عشّاقها من كل مكان.






