الأعلامي خضران الزهراني
في قلب الطبيعة الساحرة وبين جبال السراة الشامخة، تتربّع قرية بران التراثية كإحدى أقدم القرى التاريخية في منطقة الباحة، شاهدة على عراقة الإنسان ودهشة المكان. فهي ليست مجرد أطلال حجرية أو مبانٍ قديمة، بل سجلّ حيّ يحكي قصة حضارةٍ امتدت لأكثر من خمسة قرون، وموطنٌ احتفظ بملامحه وتفاصيله دون أن تنحني أمام تغيّر الزمن.
تقع القرية بين مدينة الباحة ومحافظة قلوة في القطاع التهامي، وتشكل نموذجاً أصيلاً لفنون العمارة القديمة التي كان الإنسان يبنيها بيده، ويصنع منها حياةً عامرة بالبساطة والقوة. تتألف القرية من عدد من المباني الحجرية متعدّدة الطوابق، شُيّدت بدقّة باستخدام الحجر والأخشاب، خصوصاً خشب السدر الشهير بصلابته ومتانته. كما استخدم البنّاؤون حجر المرو الأبيض ليضفوا على واجهات المباني جمالاً ونقوشاً هندسية ما زالت تقاوم عوامل الطبيعة حتى اليوم.
وتتوزع بيوت القرية على ارتفاعات متفاوتة، يتراوح عدد طوابقها بين ثلاثة إلى أربعة طوابق، وتختلف مساحات المباني من مترين إلى ثلاثة أمتار تقريباً، مما يعكس دقة التصميم وكفاءة الاستفادة من تضاريس الجبال. وتتزيّن الأبواب والنوافذ بنقوش قديمة تعبّر عن الحسّ الفني لدى السكان، وتعكس هوية المكان وثقافته.
في أحضان القرية، تنساب المدرجات الزراعية حول المباني وكأنها تحرسها. فهذه المدرجات كانت لسنوات طويلة مصدر عيشٍ رئيسي لأهالي القرية، يعتمدون عليها في زراعة الحبوب والمحاصيل الموسمية التي وفّرت لهم الأمن الغذائي وارتبطت بتراث المكان وهويته.
اليوم، تقف قرية بران التراثية بوصفها أحد الكنوز التاريخية التي تستحق الاهتمام، لما تحمله من قيمة ثقافية وسياحية ومعمارية. هي مقصدٌ لعشّاق الأصالة، ووجهةٌ تنتظر من يعيد لها الحياة، لتبقى شاهداً على قصة إنسانٍ عاش هنا، وبنى هنا، وخلّد وجوده بين حجارةٍ ما تزال تحكي الحكاية.
إنها قرية تتجاوز كونها مكاناً… إنها ذاكرة وطن.






