ياسر الحلوي
صدى نيوز إس – جازان
عندما كنا صغارًا، كانت أقلام الرصاص رفيقة دربنا في كل خطوة. نرسم بها أحلامنا الصغيرة، ونكتب بها حروفنا الأولى، ونرتكب أخطاءً لا حصر لها. لكن الأمر كان سهلاً دائمًا؛ فبمجرد تمريرة خفيفة من الممحاة، تختفي تلك الأخطاء وكأنها لم تكن موجودة. تعلمنا حينها أن الحياة تمنحنا فرصًا لا نهائية للتصحيح، وأن كل زلة يمكن محوها والبدء من جديد.
لكن الحياة، كما نعلم، لا تبقى على حالها. فمع مرور السنوات، وتراكم التجارب، نجد أنفسنا نتحول تدريجيًا من استخدام الرصاص إلى الحبر. هذا التحول ليس مجرد تغيير في أداة الكتابة، بل هو رمز عميق لمرحلة جديدة في رحلة الإنسان. مرحلة يدرك فيها أن محو الأخطاء لم يعد سهلاً كما كان.
عندما نكتب بالحبر، فإن كل كلمة نخطها، وكل قرار نتخذه، يصبح له بصمة دائمة. لا توجد ممحاة سحرية تزيل آثار أفعالنا، ولا توجد فرصة للرجوع بالزمن لتغيير ما فات. فالكلمات المكتوبة بالحبر على الورق تشبه إلى حد كبير الكلمات التي تخرج من أفواهنا، أو الأفعال التي تصدر منا؛ بمجرد أن تُخطّ أو تُقال أو تُفعل، تترك أثرًا لا يمكن إزالته تمامًا.
هذا الإدراك قد يبدو قاسيًا للوهلة الأولى. فمن منا لا يخشى ارتكاب الأخطاء؟ لكنه في الحقيقة درس قيم يُجبرنا على أن نكون أكثر وعيًا وحذرًا في اختياراتنا. يدفعنا للتفكير مليًا قبل الإقدام على أي خطوة، ووزن الأمور بعناية، لأننا نعلم أن العواقب قد تكون دائمة. إنه يدعونا إلى تحمل المسؤولية الكاملة عن كل ما يصدر منا.
أن نكتب بالحبر يعني أننا نتعلم كيف نعيش مع عيوبنا ونتقبلها. أن ندرك أن بعض الأخطاء ليست قابلة للمحو، بل هي جزء من نسيج قصتنا. فالبقعة التي يتركها الحبر على الورق قد لا تكون مثالية، لكنها تروي حكاية، وتُظهر مسارًا. وبالمثل، فإن أخطاءنا في الحياة، وإن لم تكن قابلة للمحو، إلا أنها تشكلنا وتصقلنا وتجعلنا أكثر حكمة وعمقًا.
فلنتعلم من قلم الحبر درسًا: أن نكون أكثر حكمة في قراراتنا، أكثر صدقًا في كلماتنا، وأكثر وعيًا بآثار أفعالنا. لأن الحياة، في جوهرها، هي قصة تُكتب مرة واحدة، وكل حرف فيها يساهم في تشكيل نهايتها. فلنحرص على أن تكون قصتنا مكتوبة بحبر من الحكمة والتجارب، حتى وإن تخللها بعض الأخطاء التي جعلتنا أكثر إنسانية.