الرئيسية مقالات المعرفة الشخصية أم الإجراءات الرسمية.. أيهما يخدم التنمية الحكومية حقًا؟

المعرفة الشخصية أم الإجراءات الرسمية.. أيهما يخدم التنمية الحكومية حقًا؟

163
0

 

بقلم: مستشار ريادة الأعمال الأستاذ علي عيسى الزهراني

في دهاليز الإدارات الحكومية، ينشأ صراع يومي بين ضرورتين: إنجاز المهام بسرعة، والالتزام بالقنوات الرسمية. البعض يرى في العلاقات الشخصية مفتاحًا سحريًا لتذليل العقبات، بينما يتمسك آخرون بحرفية الأنظمة، حتى لو كلفهم ذلك تأخير مصالح الناس. فهل “الفهلوة” في العمل الحكومي فساد مقنّع، أم ضرورة لتجاوز الروتين القاتل؟ لا يخفى على أحد أن “المعرفة” تلعب دورًا حاسمًا في تسيير الأمور داخل المؤسسات الحكومية. اتصالات شخصية، زمالات قديمة، علاقات نافذة.. كلها أدوات يستخدمها بعض المدراء لإنجاز مشاريعهم بسرعة قياسية. في المقابل، يقف زملاؤهم الملتزمون بالقنوات الرسمية عاجزين أمام جدار البيروقراطية السميك. هنا يثور السؤال: أيهما أكثر نزاهة، المدير “الفهلوي” أم المدير “النظامي”؟ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) تشدد على أهمية توثيق القرارات، تقليل الاجتهادات الشخصية، ومحاسبة المخالفين. لكن البنك الدولي يحذر من أن الأنظمة المعقدة تدفع الموظفين قسرًا إلى البحث عن حلول “خارج الصندوق”. الدكتور علي السليم، أستاذ الإدارة العامة، يرى أن “المشكلة ليست في الموظفين، بل في الأنظمة الخانقة. عندما يحتاج مدير إلى 25 توقيعًا لشراء كمبيوتر، فإنه أمام خيارين: إما أن يتجاوز النظام، أو يدفن المشروع”. مشروع مياه في قرية نائية أُنجز في 3 أشهر بفضل “فزعة” بين مديري الجهات. نفس المشروع في مدينة مجاورة تعثر 3 سنوات بسبب الالتزام الحرفي بالإجراءات. قد تحقق “الفهلوة” نتائج سريعة، لكنها تحمل في طياتها مخاطر جمة: تآكل الثقة في المؤسسات، خلق طبقة “VIP” من الموظفين، وربط الإنجازات بالأشخاص بدلًا من الأنظمة. الحل ليس في شيطنة “الفهلوة” أو تقديس الإجراءات، بل في تصميم أنظمة ذكية تجمع بين سرعة الإنجاز وشفافية المسار. تبسيط القوانين، التحول الرقمي، تدريب الموظفين على “النزاهة المرنة”، وتفعيل الرقابة على المشاريع “خارج الإطار”؛ كلها خطوات ضرورية لبناء إدارة حكومية عصرية. كما قال جوزيف ستيجلتز، التنمية الحقيقية تزدهر عندما تكون القواعد واضحة للجميع، ويستطيع الكفء أن ينجز دون الحاجة إلى “واسطة”.