الإعلامي/ خضران الزهراني / الباحة
في زمنٍ ليس ببعيد، كنّا نسمع كلماتٍ تُقال لنا من قلوبٍ صافية، لا تطلب شيئًا إلا الخير. كانوا يقولونها وهم يربّتون على أكتافنا:
“انتبه لنفسك… لا تقطع رحمك… الكلمة الطيبة صدقة…”
وكانت هذه الكلمات تدخل إلى القلب دون استئذان، فتُشعل فيه نورًا، وتُبقيه دافئًا.
كنا نعيش في عالمٍ قد لا يكون مثاليًا، لكنه كان أكثر إنسانية.
البيوت مفتوحة، الجيران يعرفون بعضهم، الغائب يُسأل عنه، والفقير لا يُترك وحيدًا.
في ذلك الزمان، لم نكن نملك الكثير… لكننا كنا نملك “بعضنا”.
أما اليوم… فحين نلتفت حولنا، نشعر وكأننا غرباء في أرضٍ كانت لنا.
الوجوه تغيّرت، واللهجات تغيّرت، حتى السلام الذي كان يخرج من القلب، صار يُقال كروتين… إن قيل أصلًا.
أصبحنا نرى القطيعة وكأنها رأيٌ مشروع، والهجر وكأنه حيلة للعقلاء، والغيبة نميمةً تَجمَع بين القريب والبعيد.
نسأل أنفسنا كثيرًا:
أين أولئك الذين كانوا يسألون عنّا دون سبب؟
أين من كانوا يطرقون الباب ليسألوا: “شلونكم؟” لا لغاية، بل لأن الودّ كان دينًا عندهم.
ولو عاد أحد هؤلاء من غيابٍ طويل، من موتٍ أمهله الله للحظة، ماذا سيقول عن هذا الزمن؟
سيرى قلوبًا تتقاطع، وأرحامًا تُنسى، ونفوسًا تشتري الدنيا بالدين.
سيرى موتًا مفاجئًا بلا وداع، وقتلًا في وضح النهار، وسرقةً باسم “الذكاء” و”الفُرصة”.
نحن لا نبالغ، نحن فقط نُحدّث الحقيقة.
هذه ليست قصة خيالية، بل واقع نعيشه، ونخاف أن نعتاد عليه.
نخشى أن يصبح “الغلظة” طبعًا، و”الأنانية” وجهة نظر، و”الكذب” ذكاءً اجتماعيًا.
لكن رغم كل هذا، تبقى القلوب الحيّة موجودة… تبحث عن زمنٍ يشبه أولئك الناس.
تبكي إذا قرأت رسالة قديمة، أو سمعت صوتًا يشبه من رحلوا.
تتساءل: هل نحن مَن تغيّر؟ أم أن الحياة سرقت ملامح الطيبة منّا؟
هل مات الزمان الجميل؟ أم ما زال فينا نفسٌ قادر أن يُحييه؟
يا الله، كم نشتاق لذاك الوقت، لا لأنه كان خاليًا من الهموم، بل لأن القلوب كانت صافية، والناس أطيب.
وكم نرجو من الله أن يُبدّل حالنا، ويرزقنا صحبةً كأولئك، وقلوبًا كقلوبهم.
نحن لا نطلب الكثير… فقط زمنًا نعيش فيه دون أن نخاف من بعضنا، دون أن نتذكّر الطيبين ونبكي… بل نكون نحن من يُذكَر بخير بعد غيابنا.