✍️:بقلم: الإعلامي خضران الزهراني
في زمنٍ تتسارع فيه الخطوات وتزدحم فيه اللحظات، قد تمنحنا إيماءة بسيطة من الطبيعة معنى أكبر من كل الكلام. وهذا ما حدث حين امتدت يدي لأقطف وردتين من حديقة المنزل؛ لحظة بدت عابرة، لكنها حملت في أعماقها رسالة عاطفية تفوق الخيال، وكأن الطبيعة أرادت أن تبوح لي بسرٍ جديد من أسرار الحياة.
أول ما لامس أصابعي كانت الوردة البيضاء، بجلال لونها النقي. لم تكن مجرد زهرة، بل كانت صفحة مضيئة من كتاب الصفاء. وقفت أمامها وكأنني أقف أمام قلبٍ لم تُدنّسه الأيام، روحٍ تشبه الفجر حين يولد بصمت، ونسمةٍ لا تعرف سوى العذوبة. تلك الوردة همست لي أن النقاء ليس ضعفًا، بل قوة صامتة تُرمّم الروح وتُعيد ترتيب نبضها.
ثم اتجه بصري نحو الوردة الحمراء، تلك التي لا تحتاج إلى تقديم. احمرارها كان أشبه بنبرة حبٍّ لا تخطئها الروح، بلهفة قلبٍ يشتاق، وبمشاعر تتجاوز حدود الكلام. كانت تحكي قصة العاطفة، وتكتب بظلالها لغة العشق، وتذكرني بأن للحياة لونًا آخر لا يراه إلا من تجرّأ على الحب.
وحين جمعتُ الوردة البيضاء والوردة الحمراء في كفيّ، شعرتُ أنني لا أحمل زهورًا… بل أحمل العلاقة السرمدية بين الصفاء والحب. فكما تحتاج الروح إلى الطمأنينة، تحتاج أيضًا إلى اللهفة، وكما يبحث القلب عن الأمان، يبحث كذلك عن نبضة تعيد إليه الحياة.
إنها معادلة الوجود التي لا ندركها إلا في اللحظات الصادقة:
صفاءٌ يُهدّئ… وحبٌّ يُحيي… وبينهما إنسان يبحث عن ذاته.
وهكذا تحولت الورود من مجرد زينة في حديقة إلى رسالة بصرية عميقة، أعادت لي يقينًا بأن أبسط التفاصيل قد تحمل أكبر المعاني، وأن الجمال الحقيقي ليس فيما نراه بأعيننا… بل فيما تلمسه أرواحنا.






