بقلم: البتول عوض الحارثي
حين تقود النغمة الصورة
ضمن فعاليات مهرجان الأفلام السينمائية الطلابية، عُقدت الجلسة الحوارية بعنوان «نبض الكواليس: الصوت والموسيقى التصويرية»، حيث خُصِّصت لمناقشة الدور العميق الذي تؤديه الموسيقى في تشكيل الصورة وصناعة الشعور، وكيف يتحوّل الصوت من عنصر مرافق إلى لغة مستقلة قادرة على توجيه إحساس المتلقي.
الموسيقى… إحساس يُعاش ولا يُرى
افتتح مدير الجلسة، الدكتور محمد الزليعي، حديثه بتوصيف دقيق لطبيعة الموسيقى، مشيرًا إلى أن المشهد السينمائي يبدأ قبل ظهوره، وأن النغمة الأولى تهيئ الوجدان لاستقبال الصورة.
وأوضح أن الموسيقى ليست مجرد خلفية ترافق اللقطات، بل فضاء نفسي يتفاعل معه المتلقي قبل أن يُدرك تفاصيل المشهد، فهي تحمل طبقات من العاطفة يتعذّر على الكاميرا وحدها تجسيدها.
وتكشف هذه الرؤية عن وعي سينمائي يدرك أن الصوت ليس تفصيلًا تقنيًا، بل جزء من البناء الدرامي، يشكّل حضورًا شعوريًا موجّهًا للمتلقي خلال لحظات المشاهدة.
الصوت والصورة… علاقة لا تنفصل
أوضح المؤلف الموسيقي ريان السقاف أن اقتران الصوت بالصورة ليس خيارًا، بل ضرورة فنية تنبع من طبيعة اللغة السينمائية نفسها. فالصورة الصامتة تبقى ناقصة مهما بلغت دقتها، بينما يستطيع الصوت وحده أن يفتح مساحات واسعة للخيال ويكمل ما تعجز العدسة عن إظهاره.
وبيّن السقاف أن الموسيقى تعمل كجسر بين الخيال والواقع، وتمنح الصورة بُعدًا إضافيًا لا يُلتقط بصريًا. وأكد أن الآلات الموسيقية، رغم صمتها الظاهري، قادرة على التعبير بصدق عن مشاعر لا تُقال، وهو ما يجعلها عنصرًا لا يمكن الاستغناء عنه في أي عمل بصري.
الصدق الفني… شرارة التأثير الأولى
تحدث السقاف عن أهمية الصدق في العمل الموسيقي، معتبرًا أنه أساس التأثير الحقيقي في الجمهور، وأن الفنان لا يستطيع الوصول إلى الآخرين ما لم يصل إلى ذاته أولًا.
وحذّر من الوقوع في فخ التقليد، لأنه ينتزع روح الموسيقى ويحرمها من طابعها الإنساني.
وأشار إلى أن الخيال الموسيقي لا يُمنح جاهزًا، بل يُنمّى عبر الاستماع الواعي والتعرّف على مدارس موسيقية مختلفة، وبناء مكتبة ثرية تساعد الفنان على تكوين صوته الخاص.
جيل مدعوم بفرص غير مسبوقة
أكد السقاف أن الجيل الجديد يعيش مرحلة ذهبية بفضل توافر معاهد متخصصة وبيوت موسيقية ودعم مؤسسي واسع من وزارة الثقافة.
ويرى أن هذا الدعم أحدث تحولًا كبيرًا، فلم تعد الموسيقى مجرد هواية، بل أصبحت مسارًا مهنيًا واضحًا يمكن للشباب السير فيه بثقة، مما يمهّد لظهور أصوات قادرة على صناعة هوية موسيقية سعودية في السينما.
تكامل الفنون… قاعدة العمل السينمائي
من جهته، شدّد منتج الأفلام والمؤلف الموسيقي عبدالله عبود النجار على أن السينما لا تقوم على عنصر منفرد، بل على منظومة متكاملة تجمع الصورة بالموسيقى بالأداء والكتابة.
وأشار إلى أن انسجام هذه العناصر هو ما يمنح الفيلم حياته، وأن أي خلل في هذا الانسجام ينعكس على التجربة البصرية بالكامل.
الفن علم… والموهبة وحدها لا تكفي
توقف النجار عند صعوبة تعلّم الموسيقى في الماضي، وما رافق ذلك من نقص الأدوات والمنهجيات، مقارنة بما يتوفر اليوم من مصادر تعليمية تساعد الموهوبين على الاحتراف.
وأوضح أن الفن، كغيره من المجالات، يقوم على قواعد ومعرفة ودراسة، وأن الموهبة وحدها لم تعد كافية لصناعة موسيقى مؤثرة. فالإبداع الحقيقي، كما يقول، يحتاج إلى وعي وتقنيات وعمق.
في نهاية الجلسة، بدا واضحًا أن الموسيقى ليست ما نسمعه فحسب، بل ما نشعر به قبل أن تكتمل الصورة أمامنا،وهي الهمسة التي تسبق المشهد، والنبضة التي تعيد للكاميرا دفئها إذا برد الضوء.
ومع ما يمتلكه الجيل الجديد من معرفة وأدوات وفرص، تبدو السينما السعودية على عتبة مرحلة تُكتب فيها ألحان جديدة، ويولد معها وعي موسيقي قادر على ملامسة الوجدان وصناعة مشهد لا يُنسى.






