بقلم الدكتور /
مازن إسماعيل محمد :
مكة المكرمة:-
في عالم تتزايد فيه التحديات البيئية، من تلوث المياه والهواء إلى تراكم المركبات العضوية السامة، تبرز الحاجة إلى تقنيات استشعار دقيقة وسريعة الاستجابة. من بين الأدوات العلمية التي أحدثت ثورة في هذا المجال، يبرز مفهوم التماثل الجزيئي (Molecular Symmetry) كعنصر حاسم في تصميم مجسات كيميائية وبيئية قادرة على التمييز بين الجزيئات بدقة مذهلة.
التماثل الجزيئي يشير إلى الترتيب الهندسي المتناظر للذرات داخل الجزيء، وهو ليس مجرد خاصية جمالية، بل مفتاح لفهم كيفية تفاعل الجزيئات مع الإشارات البيئية. فعندما يكون للجزيء تماثل معين، يمكن استغلال هذا التماثل لتصميم مستقبلات (Receptors) تتطابق شكليًا وكيميائيًا مع ملوثات محددة، مما يمنح المجسات قدرة انتقائية عالية.
ولتوضيح ذلك عمليًا، يمكن تصميم مجس بيئي للكشف عن أيونات الرصاص (Pb²⁺) في المياه الملوثة. يبدأ التصميم باختيار جزيء عضوي يحتوي على مواقع ارتباط متماثلة (مثل مجموعات كربوكسيلية أو أمينية) مرتبة بطريقة تسمح بتكوين معقد مستقر مع أيون الرصاص. يتم تعديل هذا الجزيء ليحمل مجموعة فلورية (Fluorophore) تُصدر إشارة ضوئية عند حدوث الارتباط. وعند تعرض المجس لعينة مائية تحتوي على Pb²⁺، يرتبط الأيون بالمواقع المتماثلة، مما يؤدي إلى تغير في الإشارة الفلورية يمكن رصده بسهولة باستخدام أجهزة بسيطة.
هذا النوع من المجسات لا يقتصر على الكشف عن المعادن الثقيلة، بل يمكن تعديله للكشف عن مركبات عضوية متطايرة (VOCs)، أو غازات سامة مثل NO₂ وSO₂، أو حتى مبيدات الآفات في التربة. ويُعد التماثل الجزيئي أداة تصميم فعالة في كل هذه التطبيقات، حيث يُسهم في تعزيز الحساسية (Sensitivity) والانتقائية (Selectivity) والاستجابة السريعة (Rapid Response) للمجسات.
إن دمج مبادئ التماثل الجزيئي في تصميم تقنيات الاستشعار البيئي يُمثل نقلة نوعية في قدرتنا على مراقبة البيئة بدقة، والتدخل المبكر للحد من التلوث. ومع تطور الكيمياء الجزيئية وتكنولوجيا النانو، فإن المستقبل يحمل وعودًا بمزيد من المجسات الذكية التي تُحاكي الطبيعة في دقتها، وتُسهم في بناء عالم أكثر أمانًا واستدامة.






