بقلم:منصور نظام الدين:
مكة المكرمة:-
يمر المنتخب السعودي بمرحلة تتطلب قراءة فنية هادئة تتجاوز النتائج إلى عمق الأداء، إذ لم تعد الإشكالية مرتبطة بالإمكانات أو الأسماء، بقدر ما ترتبط بغياب البصمة الواضحة داخل الملعب، وتراجع الشخصية التي صنعت للمنتخب حضوره في محطات سابقة.
فنيًا، يفتقد المنتخب اليوم بصمة الزياني بوصفها نموذجًا للفكر القيادي القادر على إدارة المباراة قبل وأثناء وبعد صافرة البداية. تلك البصمة كانت تقوم على وضوح الأدوار، وصناعة القائد الميداني، والقدرة على قراءة مجريات اللعب والتعامل مع متغيراتها. غياب هذا الفكر يجعل الأداء منظمًا في بعض الفترات، لكنه يفتقر إلى التحول السريع والحسم عند تغير السيناريو.
وعلى مستوى الخط الخلفي، تبدو الحاجة ملحّة إلى استعادة مفهوم القائد الدفاعي الذي مثّله صالح النعيمة، حيث لا يقتصر الدور الدفاعي على التغطية والالتحام، بل يتجاوز ذلك إلى التنظيم، وضبط المسافات، والتواصل المستمر بين الخطوط. غياب هذا النموذج ينعكس في تراجع الثبات الدفاعي خلال فترات الضغط.
أما في خط الوسط، فيبرز التحدي الأكبر في غياب مهندس الإيقاع على غرار فهد الهريفي؛ اللاعب القادر على إدارة نسق المباراة، وكسر الرتم، والتحكم في توقيت التحول من الدفاع إلى الهجوم. ورغم توفر الجهد البدني، إلا أن الوسط يفتقد أحيانًا اللاعب الذي يصنع القرار الفني في اللحظة المناسبة.
وفي الجانب الهجومي، تظل إشكالية الحسم حاضرة، وهي إحدى السمات التي ميّزت ماجد عبدالله، الذي كان يحوّل الفرص المحدودة إلى أهداف مؤثرة. المنتخب حاليًا يصل إلى مناطق الخصم، لكنه يعاني من ضعف الاستغلال، وغياب المهاجم القادر على إنهاء الهجمة بثقة وهدوء.
هذه المعطيات مجتمعة تُعيد إلى الواجهة ذكريات صعبة عاشها المنتخب في محطات مختلفة، حيث يتكرر سيناريو التفوق النسبي دون ترجمة، أو فقدان السيطرة في لحظات مفصلية. وهي ذكريات لا ترتبط بجيل معين بقدر ما تعكس حاجة مستمرة لإعادة بناء الشخصية الفنية.
إن المرحلة الحالية لا تستدعي استدعاء الماضي بقدر ما تتطلب استلهام مفاهيمه، من خلال بناء منظومة واضحة تقوم على القيادة داخل الملعب، والهوية التكتيكية، والحسم في الثلث الأخير. عندها فقط، يمكن للمنتخب السعودي تجاوز تحدياته، والتحول من مرحلة البحث عن البصمة إلى مرحلة صناعتها من جديد.






