الرئيسية مقالات صعبٌ أن تخونك الخواطر

صعبٌ أن تخونك الخواطر

14
0

 

الإعلامي

خضران الزهراني

ليس أصعب على الإنسان من أن يجلس وحيدًا، في لحظة هدوءٍ ناعمة، فيكتشف أن الخواطر التي طالما ظنّها مأوى الأمان، قد صارت ساحة مواجهة.

فالخواطر لا تأتي مستأذنة، ولا تطرق باب العقل برفق، بل تنهمر فجأة، كالمطر حين يختار وقت الهطول دون إنذار.

صعبٌ أن تخونك الخواطر…

لأنك لم تطلب منها إلا الصمت، فإذا بها تفتح دفاتر قديمة، وتقرأ أسماءً حاولت نسيانها، وتعيدك إلى مواقف ظننت أنك تجاوزتها، لكنها كانت فقط تنتظر لحظة ضعف لتنهض من جديد.

في إحدى الليالي، جلس رجل عند نافذةٍ نصف مفتوحة، لا ينظر للخارج بقدر ما ينظر للداخل.

كانت المدينة نائمة، إلا قلبه.

قال في نفسه: “لقد سامحت، وتجاوزت، وتعلمت.”

لكن الخواطر لم تصدّقه.

أعادته إلى أول خذلان، إلى كلمةٍ قيلت باستخفاف، إلى وعدٍ لم يكتمل، وإلى ثقةٍ منحت لمن لم يحسن حملها.

الخذلان الحقيقي ليس ما يفعله الآخرون، بل ما تفعله ذاكرتك بك حين تقرر أن تذكّرك بكل شيء دفعةً واحدة.

حين تكتشف أن الألم لم يختفِ، بل غيّر شكله فقط، واختبأ خلف ابتسامةٍ متقنة، أو انشغالٍ دائم.

صعب أن تخونك الخواطر لأنك لا تستطيع محاكمتها، ولا إقناعها بالرحيل.

هي جزءٌ منك، تعرف مواطن ضعفك، وتعرف متى تضرب، ومتى تصمت، ومتى تُنهكك بالسؤال:

هل كنت طيبًا أكثر مما ينبغي؟

هل وثقت بمن لا يستحق؟

وهل الخسارة كانت في الأشخاص أم في نفسك؟

لكن، ورغم قسوة الخواطر، فهي لا تأتي عبثًا.

أحيانًا تخونك لتُنقذك، تؤلمك لتُنضجك، وتكسرك قليلًا لتعيد ترتيبك من الداخل.

فالذي لا تؤلمه خواطره، غالبًا لم يحب بصدق، ولم يخسر بعمق، ولم يتعلّم بما يكفي.

وفي نهاية الليل، أغلق الرجل نافذته، لا ليمنع الهواء، بل ليمنح قلبه فرصة للراحة.

ابتسم وقال:

“نعم… صعب أن تخونني الخواطر، لكنها على الأقل صادقة، لا تجامل، ولا تكذب.”

فالسلام ليس في غياب الخواطر،

بل في قدرتك على الاستماع لها دون أن تدمّرك،

وفي أن تتعلّم منها، ثم تتركها تمضي.