الرئيسية مقالات عَزْف

عَزْف

17
0

 

محمد الرياني

الصحونُ تعزف لحنًا وترقص عليه على شذى التوابل في المطبخ الأنيق ، وترقص أشياء أخرى غير الصحون على أصوات غريبة .

وفي الصالةِ الجميلةِ عصفورٌ يغرِّدُ يريد أن يسمعني لحنًا كما أفعل أنا عندما أدندن على الشارعِ القريبِ وقتَ الصباحِ حيث يعبرُ المشاةُ بحثًا عن الشمس وبقايا القمرِ قبل انبساطِ الضوءِ على أديمِ الأرض .

وعلى السرير الذي يحفزني ويدعوني للاسترخاءِ وقتَ المغيبِ تحاصرني الأسئلة !!

هل سأقومُ للرقصِ على صوتِ الصحونِ في المطبخ ؟

هل سأذهبُ إلى العصفورِ الملونِ لأسلبَه التغريدَ وأحمل شدوَه معي إلى الشارعِ عند المغيبِ قبل أن يأتي الصباح؟

يأتي الليلُ رائعًا مثلَ فستان حسناء مطرزًا بالبياضِ كالنجومِ تتلألأُ في جسدِ السماء .

عبثًا أحاولُ اجتيازَ لحظةِ العزلةِ لأعشقَ طربَ الصحونِ وعزفِها ، وأغني مثلَ عصفورٍ يرى قفصَه مثلَ أوتارٍ يعزفُ عليها ألحانَه وأشجانَه .

وعلى إيقاعِ بعضِ الأصواتِ أتعلمُ من الأشياءِ التي فقدتْ روحَها أو هي بلا روحٍ لأعيشَ عالمًا مليئًا بالشجن .

هناك في البيتِ الأنيقِ أشياء رائعة ، وأشياء بديعة ، وأصواتٌ تهزُّ الأقدامَ كي يطربَ الليلُ وتطربَ معه الجوامد .

لم يكن الطريق حولي بين جهتين متباعدتين ومتناقضتين سهلًا أبدًا ، مرةً أمشي ليكون الصباحُ أجمل ، ومرةً أعكسُ الاتجاهَ لأرى المساءَ أروع .

جربتُ مرةً وأطفأتُ الضوء !

فجأةً سكتَ العصفورُ عن شقاوةِ الغناء ، وغادرت عن الصحونِ أرواحَها التي سلبتْها من الهواءِ القريبِ الذي يتسللُ من فتحاتِ الشباكِ المجاور ، ولم يكن أمامي خيارٌ إلا أن أنتظرَ أحلامًا في فترةِ نومٍ قصيرةٍ لأرى فيها الرقصَ والعصفورَ والشارعَ القريبَ دون ضجيج .

عندما غرَّدَ العصفورُ في الصباحِ واقتربَ من سياجه الناعم ، بدتْ عيناه وكأنه يشاركني دموعَ الفرح ، لم أفهم مغزى عينيه؛ ربما يدفعني لأفرح ؛ كانت حجراتي المرتبةُ رائعةً جدًّا ومَن حولي يشاهدون الموقفَ في ذهول .

لم أكن منتبهًا لما يحدث حتى قفزَ العصفورُ من قفصِه وحرَّكَ جناحيه فابتسمتُ وفتحتُ ذراعي لأحتضن الجميعَ ومعهم العصفورَ والصحونَ المعلقة .