بقلم ابنكم / محمد أبوحريد
في آخر جمعة من هذه السنة الميلادية، ودّعنا رجلاً نادر الوجود، رجلًا جمع بين الطيبة والوفاء، بين العلم والخلق، بين الحضور الإنساني العميق والعطاء الذي لا يزول. الأستاذ سعيد بن علي بن قزعة، «أبا جمال»، غادرنا إلى رحمة الله، وترك في نفوس كل من عرفه أثراً خالدًا، وذكرياتٍ مشرقة، تنير الطريق لكل من يسعى للخير والصدق والمحبة.
أبا جمال لم يكن مجرد اسم في المجتمع، بل كان رمزًا للصفاء النفسي والصدق العاطفي، رجلًا طيب الخلق، متأبرًا في سلوكه، منجزًا في أعماله، ذو قلب أبيض يفيض بالعطاء. كان مصلحًا اجتماعيًا قبل أي شيء آخر، ناقدًا مهذبًا، محبًا للعلم والأدب، ملتزمًا بالقيم النبيلة، ودائم الحرص على الإصلاح بين الناس، مُرشدًا بالحكمة، موجهًا باللين. كل من تواصل معه شعر بالطمأنينة، وكأنه أمام قلبٍ محب لا يعرف الحقد، وعقلٍ واعٍ يسعى للخير للجميع.
كان أبا جمال صاحب ابتسامة دافئة، وحضورٍ يملأ المكان دفئًا وطمأنينة. محبًا للناس، قريبًا منهم، يشاركهم همومهم، ويسعى لحل مشاكلهم بروح رقيقة، ودقة وعناية لا تجد إلا عند القلوب الكبيرة. كانت تغريداته مثالًا للصوت المواطن الحقيقي، ناقدًا بطريقة راقية، ومهذبًا في أسلوبه، بعيدًا عن المبالغة، يعكس حقيقة المجتمع ويبرز احتياجات الناس، فكان صوته يتردد في قلوب كل من يقرأه، وكأن الكلمات تأتي من روح نابضة بالصدق والإخلاص.
لقد كان أبا جمال يجمع بين الرزانة والمرح، بين الجدية والبهجة، بين المسؤولية والحرص على رسم الابتسامة على وجوه الآخرين. كل من عرفه لم يكن يتعامل معه كصديق أو زميل فقط، بل كأخٍ يُطمئن القلب، وكقدوة تلهم كل من حوله على العطاء بلا حدود. كان صاحب موقف ثابت، ووجه صادق، وحضور مؤثر، لا ينسى بسهولة، مهما مرت الأيام والسنوات.
رحيل أبا جمال في هذا اليوم المبارك، يوم الجمعة، يحمل في طياته معنى روحيًا عميقًا. لقد ختم الله له حياته بعلامة من علامات الرضا، وأخذ أمانته إلى جواره، في ختام يومٍ يحمل البركة والسكينة. هو الوداع الذي يمزج بين الحزن العميق والفخر الكبير، بين فقدان شخص عزيز وبين الاعتزاز بما قدمه من أثر خالد في المجتمع، وبين شجن الفراق وبين إشراقة الذكرى الطيبة.
أبا جمال جمال الروح، جمال القلب، الذي أحببناه جميعًا، لم يكن يملك القلوب فحسب، بل كان يمتلك القدرة على جعل كل من حوله أفضل، على توجيه الناس إلى الصواب، وعلى زرع الأمل والطمأنينة في النفوس. لقد ترك إرثًا لا يُنسى، حضورًا لا يمحى، وعطاءً لا يحده زمان أو مكان. هو الذي جعل من نقده البنّاء موجهًا للخير، ومن محبته صدى يطرب القلوب، ومن جهوده صرحًا من العطاء المستمر.
رحم الله أبا جمال، وأسكنه فسيح جناته، وجعل قبره روضة من رياض الجنة، ورفع درجته بين عباده الصالحين، وحفظ أهله ومحبيه من بعده. ترك وراءه ذكرياتٍ مشرقة، وأثرًا خالدًا، وقلبًا أبيض لن يغيب عن قلوبنا أبدًا. لقد رحل جسدُه، لكن روحه ستظل ترفرف بيننا، تعلمنا الحب، والوفاء، والعطاء، وتذكرنا أن الرجل الحقيقي يُقاس بما يتركه من أثر، لا بما يملكه من مال أو منصب.
في هذا اليوم الأخير من العام، وفي ختام آخر جمعة، نقف جميعًا عند رحيل رجلٍ عظيم، رجلٍ استثنائي، ترك بصمته في حياتنا، في مجتمعنا، وفي قلوب كل من عرفه. أبا جمال، يا من رحلت لكنك بقيت حاضرًا في كل ذكرى، وفي كل قلبٍ أحبك، وفي كل نفسٍ تشعر بالامتنان لما قدمت.






