الرئيسية مقالات رقصة الحريد على أنغام الزمن

رقصة الحريد على أنغام الزمن

65
0

 

 

الكاتبة/ فاطمة محمد – جازان

 

بين أنامل الزمن وقلوب البحر تبدأُ قصتنا مع شجرة الكسب، تلكَ الشجرةَ التي تنبتُ على شواطئِ البحر، والتي كان أهلُ الجزر يستخدمونها قديما في حصرِ سمكِ الحريد. يُقالُ عن شجرةِ الكسب: “فرسانُ زينةِ البلادِ حطبُها كسب وبحرها لامسَ القلوب”، كلماتٌ ترسمُ صورةً جميلةً لهذهِ الشجرة، وتُبرزُ أهميتها في حياةِ اهل الجزر

 

كانَ الكبارُ يذهبونَ لاستخراجِ الحريد، بينما ينتظرهم الصغارُ على قممِ الجبال، آذانُهم مصوبةٌ نحو البحر. وعندما يسمعونَ صوتَ “الضويني”، وهو نداءٌ خاصٌ يدلُّ على العودة، ينزلونَ مسرعينَ ليشاركوا في الاحتفالِ.

لم تكن عملية استخراج الحريد مجرد مهمة شاقة، بل كانت مناسبة اجتماعية تجمع أفراد الجزر بعضهم مع بعض

 

فبينما يعمل الرجال، تُنشِد النساء أناشيدهن الجميلة، وتُقيم مناظرات شعرية حول الحريد، يتفاخرن فيه كلٌ على حدة. تقول إحداهن: “حريدنا لا خرج حريد العادة من عند أولياء وسادة”،

فترد عليها أخرى: “حريدنا لا خرج مع التوخيفه، يخرج من جبال نظيفة”. وتُضيف ثالثة، تُبدي عدم رضاها: “حريدكم لا خرج مع التوخيفه، الكبده تصل صيفه”، كلمات تعكس روح التنافس اللطيفة بينهن.

ولن يفهمها الا من درس لغة البحر ومدرسة لغة البحر هنا في مهرجاننا مهرجان الحريد فحضوركم شرف لنا وزيارتكم تسعدنا

كونوا معنا على الموعد الاثنين ٢١ إبريل الصيد في شاطئ الحصيص عصرا والاحتفال قي ساحة الاحتفالات الشعبية ليلا.

 

ولم تكن هذه المناسبة مناسبة للرجال فقط، بل كانت النساء أيضاً يُحضرن أنفسهن لها بكل أناقة. لم تقتصر الزينة على العروس، بل شاركت فيها جميع النساء، شابات ومسنات، يزينّ شعورهن بالطيب، ويضعن “المشلف” المصنوع من الريحان والمونس، ويضعن المصر (البندانه في عصرنا)، والكحل في عيونهن، والزباد (كالفازلين لكن أسود) لرسم الحواجب، ويضعن على أكواعهن أساور فضة، وعلى أرجلهن حليّاً من الفضة.

ويُقال: يبدأ الطبل والدفوف بعد وضع الحريد والعيش في الميفا و تغطيته لتُختتم هذه الرحلة المليئة بالمتعة والتحدي.

تُعتبر قصةُ سمكِ الحريدِ أكثرَ من مجردِ وصفٍ لطريقةِ استخراجِ سمك، بل هي نفحةٌ من عبقِ الماضي، تُظهرُ مدى الترابطِ الاجتماعيِّ والثقافةِ الثرية التي كانت سائدةً في هذه الجزيرة