الرئيسية مقالات وردةٌ على جِذعٍ من شوك”

وردةٌ على جِذعٍ من شوك”

108
0

كاتب المقال/ الإعلامي: خضران الزهراني

في دهاليز الحب، هناك قصص لا تُروى على ألسنة العاشقين، بل تُكتَب على أجسادهم، وتُسَطّر على جلودهم بالدم. تلك الصورة التي تراها، ليست مجرد رسمة، بل مرآة لواقعٍ صامت، يعيشه كثيرون دون أن يتفوهوا بحرف. رجلٌ يحمل وردة، لكن هذه الوردة ليست كباقي الورود… هذه الوردة لها وجهُ امرأة، ملامحها آسرة، نظراتها هادئة، وقد تكون باردة، وهو، ذلك الرجل، يتسلق نحوها غير آبهٍ بما تفعله به الأشواك المغروسة في جذعها.

إنه لا يصعد… بل يَرتقي، يجرّ جسده المجروح حبًا، ويصبر على الألم، فقط ليصل إليها. ترى الطعنات تخترق ظهره، الدم يتساقط، الجسد ينزف، لكنه لا يتوقف، لا يتردد، لا يتراجع. وكأن شيئًا داخله يقول: “هي تستحق”.

قصة مؤلمة…
كان “سلمان” شابًا بسيطًا من قرية صغيرة، قلبه طيّب كالماء، وعينيه لا تعرفان إلا الصدق. أحب فتاة من نفس منطقته، كانت جميلة، مثقفة، يراها كل صباح تخرج من باب المدرسة وتمنحه ابتسامة عابرة. تلك الابتسامة كانت كافية لتوقظ فيه رجلاً جديدًا، مختلفًا، مؤمنًا بأن الحب لا يحتاج كثيرًا ليولد.

سلمان لم يكن غنيًا، لم يحمل شهادة، لكنه حمل قلبًا لم يخذل أحدًا يومًا. أحبها بصمت، وقف بجوارها سنوات دون أن يُفصح، كان حاضرًا في كل أفراحها، داعمًا في كل انكساراتها، حتى عندما أحبّت غيره، تمنى لها السعادة، وأخفى دمعه خلف ابتسامة صامدة.

كان يرى وردته تُمنح لغيره، ومع ذلك ظلّ يسقيها من روحه. أنفق من عمره ما يكفي ليبني لها أمانًا لا تطلبه، وتحمل عنها أثقالًا لم تطلب منه، فقط لأنه أحبها. وحين فارقها الآخر، عاد سلمان… يحمل على ظهره شوك الخذلان، لكن عينه لا تزال ترى الورد، لا تزال تُحب، لا تزال تأمل.

وفي النهاية، تزوجت من رجل آخر… اختارته لأنها رأت فيه ما لم تره في سلمان: المال، المركز، والجاه.
أما هو… فقد جلس في أحد زوايا المسجد ذات مساء، يكتب دعاءً في ورقة مبللة من الدموع: “اللهم لا تجعل قلبي يتذكّرها بعد اليوم”.

إنها ليست قصة استثنائية… بل قصة كل من أحب بصدق، وأُهمل.

هذه ليست مجرد قصة حب، بل قصة تضحية مطلقة، قصة رجل قرر أن يحب رغم علمه المسبق بأن الطريق نحو محبوبته مفروش بالأشواك، وأن كل خطوة تقرّبه منها تترك أثرًا مؤلمًا فيه. لكنه اختار أن يتحمّل، اختار أن يدفع الثمن، فقط ليصل إلى تلك الوردة التي ما زالت تنظر إليه من علٍ، دون أن تمد يدها، دون أن تُبعد عنه شوكة واحدة.

وفي المشهد أبلغ المعاني:
هو يُحب ويُقدّم ويُنزف، وهي تنظر فقط.

ما أقسى أن يكون الحب من طرفٍ واحد، أن يكون أحدهم الجسر والطريق والنهاية، بينما الآخر مجرد وجه في زهرة جميلة، لا تشعر بألم من يسير نحوها. وما أكثر من يعيشون هذه الحالة: يحبّون بكل طاقاتهم، يمنحون بلا حدود، يصمتون على الجراح، يبتسمون وهم ينزفون، فقط لأن القلب اختار، ولأن الأرواح لا تخضع لمنطق العقل ولا قوانين المنفعة.

لكن السؤال المؤلم:
هل تُلام الوردة؟ هل يُلام الشوك؟ أم يُلام القلب الذي يعرف أن الطريق مؤلم، ويُصرّ على المضيّ فيه؟
ربما لا أحد يُلام… وربما كلّنا نُلام. لأن الحب حين يولد في القلب، لا يسأل عن الثمن. فقط يُحب.

هذه الصورة تعكسنا جميعًا، في لحظة من لحظات الضعف الجميل، حين نحب ونصبر، ونُقرّب المسافات ونحن نُستنزف، فقط لنحظى بلحظة دفء، أو نظرة عطف، أو ابتسامة تُنسي جراح الطريق.

فيا من أحببت حد الألم…
ويا من نزفت لأجل وردةٍ لم تلمسك…
اعلم أن في الحب قوة، حتى وإن كانت تُنزف.
وأن في الجراح صوتًا، حتى وإن لم يُسمع.
وأن قلبك، برغم الطعنات، يظل أنبل من قلبٍ لم يُجرّب الحب يومًا.