الرئيسية مقالات إشراقة صباحية: حين تتكرر الحياة فينا من جديد

إشراقة صباحية: حين تتكرر الحياة فينا من جديد

103
0

 

بقلم: أحمد علي بكري

في كل صباح، نستيقظ على واقعٍ يبدو مألوفًا، لكنه يحمل في تفاصيله رسائل متجددة عن دورة الحياة التي لا تتوقف. نكبر ونحن نظن أن بعض الأمور ستنتهي بزوال مراحلها، لكنها تلازمنا كظلٍ لصيق، لا يغيب.

يبدأ الإنسان رحلته الدراسية بخطى مترددة نحو الصفوف الأولى، يفرح بتعلم الحروف ويحتفل بالنجاح في الصف السادس وكأنها نهاية المطاف. لكنه سرعان ما ينتقل إلى المرحلة المتوسطة، وهناك تتوسع أحلامه قليلاً، ثم إلى المرحلة الثانوية، حيث تتشكل طموحاته بملامح أكثر وضوحًا، يبدأ بالسؤال: “أي تخصص سألتحق به؟ أي جامعة ستفتح لي ذراعيها؟”

تكبر الأحلام معه كلما كبر، لكن البعض يجد طريقه يختصر الزمن، فيبحث عن وظيفة قبل أن يُنهي دراسته أو يتخلى عن بعض المحطات في سبيل الوصول لأمانه الشخصي. وبعد التخرج، يبدأ سباق آخر: البحث عن العمل. وبعد أن يجد عمله، يليه البحث عن الاستقرار، عن منزلٍ يأويه، وسيارةٍ تنقله، ثم عن شريكةٍ تسكن قلبه وتشاركه الحياة.

ومع أول صرخة لطفله الأول، تبدأ مرحلة جديدة تمامًا… وربما حياة أخرى. يرى أمامه طفله يدخل المدرسة، يحمل حقيبته كما كان هو يحملها، فيعود الزمن إلى الوراء. يعود القلق، تعود النصح، وتعود الصراعات الصغيرة التي تدور بين رغبة الطفل في اللعب ورغبة الأب في رؤيته متفوقًا.

يعيد الأب ما كان يفعله أبوه، وربما في لحظةٍ ما، يتذكر كيف كان ينفر من توجيهات والده، كيف كان يملّ من كثرة إلحاحه عليه أن يذاكر ويجتهد. واليوم، هو يفعل ذات الشيء مع ابنه، كأنما الحياة تعيد نفسها علينا، بصورة مختلفة ولكن بذات الروح.

وهكذا، تستمر الدورة… ابتدائية فمتوسطة، فثانوية، فجامعة، فحياة، فطفل جديد… ونبقى نحن، نعيد ذات الأدوار التي قام بها من قبلنا، دون أن ندرك أن هذه الدورة لا تُكسر، بل تُعاش.

وفي هذا الصباح، ونحن نعيش موسم الاختبارات، نرفع أيدينا إلى السماء، ونسأل الله أن يوفق أبناءنا وبناتنا في دراستهم، وأن ييسر لهم سبل النجاح، وأن يرزقنا وإياهم الثبات في كل خطوة، وأن يجعل تعبنا معهم سُلمًا يصعدون به نحو مستقبل مشرق، يحمل من نور الأمل بقدر ما نحمل نحن من دعوات وأحلام.

صباح النجاح… وصباح الدعاء.