الرئيسية مقالات عداوة المرايا: بين وهم الصراع الفارسي-الصهيوني وحقيقة التواطؤ المدمر

عداوة المرايا: بين وهم الصراع الفارسي-الصهيوني وحقيقة التواطؤ المدمر

40
0

 

بقلم: أحمد علي بكري

في السياسة كما في المسرح، ما يُعرض على الخشبة ليس بالضرورة ما يدور خلف الستار. وبينما تستهلك الجماهير العربية سردية العداء الأبدي بين “الجمهورية الإسلامية” في إيران والكيان الصهيوني، تنكشف أوراق الواقع لتفضح تواطؤًا خفيًا يتناقض جذريًا مع ما يُروَّج من شعارات وهتافات.

بعد عشر سنوات من استلام الخميني للحكم في إيران إثر الثورة الإسلامية عام 1979، تم افتتاح ما يسمى بـ”جمعية الصداقة الإيرانية-الإسرائيلية” في طهران، تحت مسمى مدني ناعم، لكنه لم يكن إلا غطاءً دبلوماسيًا لسفارة غير معلنة. في هذه الجمعية، كان كبار المسؤولين من الطرفين ينسجون خيوط المؤامرات في الخفاء، بينما يصرخ إعلامهم بـ”الموت لإسرائيل” و”الشيطان الأكبر”. هذه الازدواجية ليست مجرد تناقض سياسي، بل خيانة موثقة للقضية الفلسطينية والعربية على حد سواء.

فإذا نظرنا إلى الواقع على الأرض، نجد أن آلة الحرب الصهيونية لم تترك حجرًا ولا بشرًا في غزة إلا وأصابته، قتلت، هجّرت، دمرت، وسحقت البنية التحتية تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب”، والضحايا دومًا هم المدنيون، الأطفال، والنساء. وعلى الجهة المقابلة، نرى كيف عبثت المليشيات المدعومة من طهران بعواصم أربع دول عربية: بغداد، دمشق، بيروت، وصنعاء. لم تُترك هذه العواصم لأهلها، بل أصبحت مسارح لمعارك بالوكالة، تمزقها الطائفية، وتنخرها الفوضى، وتنهشها المصالح الأجنبية.

من الغريب أن “عدوّين” يلتقيان في نتائج واحدة: دمار للعرب، استنزاف للدماء، تمزيق للهوية، وتوسيع للنفوذ. كلاهما يتخذ من الشعارات غطاءً، ومن الدين مطية، ومن المقاومة واجهة، بينما الهدف النهائي ليس تحرير القدس، بل تفتيت ما تبقى من الأمة العربية.

كيف نقبل إذن بمن يُظهر العداء ويضمر الولاء؟ كيف نصدق أن هناك صراعًا حقيقيًا بين من يدمر غزة بصواريخ دقيقة، ومن يدمر بغداد ودمشق والضاحية الجنوبية وحواري صنعاء بميليشيات قذرة؟ العدو واحد، وإن اختلفت الألسنة والرايات.

إن التاريخ لا يُزَوَّر إلا على من لا يقرأه، والوعي لا يُخدع إلا من يتخلى عنه. أما الشعوب، فربما تنام لكنها لا تموت، وستدرك عاجلًا أم آجلًا أن بين الفرس والصهاينة “زواج مصالح”، لا “عداوة مبادئ”.

فلا تقنعني يا من تصرخ “الموت لإسرائيل” في العلن، بينما تمد لها يدك تحت الطاولة، بأنك عدوي… بل أنت وجه آخر لنفس الخنجر الذي يغرس في ظهر هذه الأمة