الرئيسية الأدب والشعر نداءٌ يُجادلُ الريحَ عن سرِّ العشق

نداءٌ يُجادلُ الريحَ عن سرِّ العشق

404
0

منى محمد صالح

حين تُشعلُ مجرّاتُ الشوقِ فضاءاتِ صدري،
تتفتّقُ مسامُّ الحنينِ
كأُغنيةٍ نازفةٍ تبحثُ عن وترِها الضائع،
وأراكَ هناك…
الآن ودائمًا،
حيث تنحني الريحُ لخطاك،
تتسلّلُ كبهجةٍ خفيّةٍ في وشمِ الذاكرة،
تخلعُ الفصولُ عن عرشِها
على إيقاعِ الغياب.
هناك، في أقصى الضوء،
امرأةٌ من صلاةٍ وحنين،
تترنّمُ بوصالٍ مؤجَّل،
تكتبُ نبضَها على جدارِ القصيدة..
وحدك أنتَ،
وترُ أُغنياتها الراعشة،
وهجٌ يعبرُ خاصرةَ المسافةِ دون أن ينكسر،
أهدهده، طيّعًا بين يديَّ الشوق،
كظلٍّ يلتفُّ حول عطشي،
يمتدّ…
ولا ينتهي.
هي رقصتي المُشتهاة،
تعبرُ خُطاكَ كضوءٍ مقيمٍ على حافةِ الحُلم،
وأقربَ من نبضِ القصائد،
ضوءٌ سرمديٌّ
يتسلّلُ من صدرِكَ إلى قلبي،
وكلما سرتُ عليه،
عاد بي إليكَ بلا انتهاء،
كأنّنا أُمنيتانِ تائهتانِ في زحامِ النجوم،
تتسلّقانِ الليلَ بحثًا عن ضوءٍ قديمٍ
يندلقُ على صدرِ امرأةٍ
تشتهيكَ،
ترتكبُ الانتظارَ سرًّا،
كخطيئةٍ أُولى.
وتسألني أنايَ، المُبعثرةَ بين شظايا الوجد:
أيُّ نداءٍ يتسرّبُ بين نبضةٍ وأُخرى،
يُناشدُ نزق القوافي
أن يمسحَ عن جبينِ الحروف
غبارَ الصمت،
كلّما اشتدّ الغياب؟
وفي كلّ مرّةٍ أُخبّئُ فيها فرحي،
كمن يسرقُ ظلَّه من مرآةِ الوقت،
أركضُ نحوكَ—
وكأنّ الطُرُقاتِ كلّها تخلعُ معطفَ قصائدِها،
تُفضي بي إليكَ،
فأقفُ هناك…
أُنثِرُ اسمكَ على نوافذِ الغيم،
كطائرٍ مهاجرٍ يحملُ المسافاتِ في جناحيه،
مجرّةٌ من الحنين…
أُحلّقُ معكَ للمرّةِ الأولى،
ولادةٌ تغزلُ من مزاميري
وشاحًا للندى.
وكلّما أغلقتُ بابَ التوق،
عاد هديرُك يجري حنونًا في شراييني،
كنهرٍ أبديٍّ
يُعرّي مواجدي،
وذلك السؤالُ العالق:
ماذا لو التقينا!
كصدىً يتهدّلُ من أُغنيةٍ عتيقة،
تُجادلُ الريحَ عن سرِّ العشق،
وأُمنياتٍ مؤجَّلة،
تتسلّقُ أكتافَ الهوى..
ونبقى هناك،
عالقَين بين مداراتِ الضوء،
وهمسِ الطُرُقات،
مدٌّ لا يهدأ،
يُلقي بمحارِه إلى مرافئِ الانتظار،
ونغرقُ…
كأنّنا زرقةُ بحرٍ
نسيَتهُ الموانئ
واحتضنتْهُ الأشواق
فقط…
هو ذلك الهمسُ الحنون.
ليس إلّا…
يقطفُ الليلُ من أورادِ قلبه،
يُسري بي كنبعٍ خفي،
كأنّي أركضُ نحوكَ عبر كلِّ الأزمنة،
وأنا، المسكونةُ بك،
مثلُ تلك النجيمات
تُرتّلُ اسمكَ معي
في صعودِها الأبديِّ منذ الأزل.
تتلاشى المسافاتُ بيننا،
وتعيدني خُطايَ إلى أفقٍ لم نلتقِ فيه بعد،
مثل ظلّانِ يراقصانِ خاصرةَ الريح،
كلُّ خطوةٍ حكاية على وجنتيّ الليل
وكلُّ ارتعاشةٍ أمنيةً بعيدةً…
كأنّي مجرّةٌ من حنين،
تستديرُ حولَ سرِّ العشق،
تضئ بكَ…
ولا تنطفئ.
برمنجهام 6 سبتمبر 2025