الرئيسية مقالات العطاء المهدور: عبوات المياه الخيرية بين البر والتبذير

العطاء المهدور: عبوات المياه الخيرية بين البر والتبذير

157
0

 

كتبه: سالم بن عبيد الصويط مكة المكرمة

المستشار الأكاديمي بكلية الدعوة وأصول الدين قسم الكتاب والسنة.

العمل الخيري رسالة سامية، تتسابق فيها النفوس الكريمة لبذل المال والوقت طلباً للأجر، وسعياً لنشر روح التكافل في جسد الأمة، كالمطر الذي يروي الأرض القاحلة. ومع ذلك، كثيراً ما يتحوّل هذا الخير إلى صورة من صور الهدر، فتتكدس عبوات المياه عند أبواب المساجد، وتذوي في المخازن تحت الغبار، أو تتحول إلى لعبة للأطفال يتراشقونها في المساجد والطرقات، فتفقد النوايا الطيبة رونقها، ويضيع أثر العطاء قبل أن يصل إلى مستحقيه، كظلٍ يذوي قبل أن يلمس الأرض.

الهدر لا يقتصر على العبوات المهدورة، بل يمتد ليشمل أعباء النقل والتخزين وجهود المتطوعين، بينما حاجات حقيقية تنتظر من يواسيها ويخفف عنها وطأة الحرمان: مريض يبحث عن دواء، طالب ينكسر حلمه على أبواب الفقر، وأسرة تنتظر ما يقيم أودها. وقد وصف القرآن المبذرين بعبارات قاطعة: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾، مؤكداً أن التبذير في أبسط الموارد يوازي ضياع الأثر العظيم للخير، ويحول النية الطيبة إلى عمل بلا جدوى.

الرشد في العطاء لا يعني التقليل، بل توجيهه الوجهة الأقوم، فتتحقق الفائدة المستمرة. فالاستثمار في مشاريع مستدامة مثل حفر الآبار، إقامة محطات تحلية صغيرة، صيانة شبكات المياه، أو التعليم والصحة والتنمية، يجعل من كل ريال بذرة خير تنمو وتثمر جيلاً بعد جيل. هكذا يظل أثر العطاء باقياً، لا يزول بزوال العبوة أو بفوضى الأطفال العابثين، بل يروي النفوس ويحيي الأرض ويزرع الوعي والكرم في قلوب الأجيال.

العطاء الرشيد هو البر الحقيقي، وسجله ميزان الحسنات، لا سجلات الهدر والتبذير. إنه العطاء الذي يترك بصمته في كل قطرة ماء، وفي كل ريال يُبذل، ويصبح جسراً متيناً بين النية الصافية والعمل الموفّق، ليظل الخير ممتداً في حياة الناس، يواكبهم اليوم ويصل بهم إلى الغد، فيصبح إرثاً حيّاً للكرم والرحمة والتكافل.