✍🏻اللواء محمد فريح الحارثي
في سوق الحياة المليء
بالصدامات والإساءات، تبرز صفقة كظم الغيظ كأحد أنجح المشاريع الاستثمارية وأعلاها عائدا على الإطلاق. إنها صفقة لا تربح فيها السلع الدنيوية، بل تربح فيها رضا الله وجنته، وهي مخصصة لأولئك المستثمرين الأذكياء الذين يمتلكون “سجلاً تجارياً” مميزاً مع الله، ويبحثون عن الصفقات الآمنة التي تدر أرباحاً في الدنيا والاخرة.
الحديث النبوي عقد الضمان الإلهي
لقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مواصفات هذه الصفقة وضماناتها في حديث عظيم، حيث قال: «مَنْ كَظَمَ غَيْظاً وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ» (رواه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني).
ها هو عقد الضمان! ليس مجرد أجر افتراضي، بل استدعاء إلهي خاص من ملك الملوك يوم القيامة أمام الخلائق جميعًا، يخيّرك بنفسه من الحور العين ما تشاء. أي استثمار دنيوي يمكنه أن يمنحك عائدا كهذا؟
فكر كيف تعمل آلية هذا المشروع الاستثماري؟
1. رأس المال:
هو “غَيْظُك” الذي تشعر به عند تعرضك للاساءة. هذا الغيظ هو الطاقة الأولية التي يمكن تحويلها إما إلى خسارة فادحة (بالرد والإثم) أو إلى ربح صافٍ (بالكظم والأجر).
2. المنتج الاستثماري: هو “العفو والصبر”. تختار عن قصد أن تمتص غضبك، لا لأنك ضعيف، بل لأنك “قادر على أن تنفذه” وتختار طاعة الله بدلاً من انتصاراتك الشخصية العابرة.
3. نقطة الشراء:
تأتي فور تعرضك للإساءة، سواء كانت بقصد أو بغير قصد. هذه اللحظة هي فرصتك الذهبية للاستثمار. كلما كانت الإساءة أكبر، كان العائد على الاستثمار أعلى.
4. العوائد والمكاسب :
· مكاسب دنيوية: طمأنينة قلبية، واحترام ذاتي، وكرامة، وسلامة الصدر من الأحقاد، وربما ندم الطرف الآخر واحترامه لك.
· مكاسب أخروية (وهي الجوهر):
· استدعاء من الله يوم القيامة: وهي شهادة ووسام لا يُقدر بثمن.
· الاختيار من الحور العين: كما في الحديث.
· ثناء الله في القرآن: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} (آل عمران: 134)
لماذا يعتبر هذا الاستثمار “حَكْمَة” وليس “ضعفا”؟
لأن المستثمر الحكيم ينظر إلى الأفق البعيد، لا إلى لحظة الانتصار العابرة. هو يعلم أن:
· الرد بمثل الإساءة يخرب سجله التجاري مع الله، ويورطه في خسائر معنوية (ندم، وحقد، وذنب).
· كظم الغيظ يضيف إلى رصيده عند ربه، وهو الرصيد الوحيد الذي سينفعه يوم لا ينفع مال ولا بنون.
ختاماً
عندما تتعرض لأي إساءة توقف للحظة ولا تسمع لأولئك الذين يقولون لك من لا يحترمك لا تحترمه من لا يراك لا تراه ابتعد عن السلبين، الخ من نصائح الرد بالمثل التي تؤدي للهجر والقطيعة وتذكر عند كل إساءة انك على أعتاب صفقة استثمارية فريدة. المشتري هو الله، والسعر هو كظم غيظك، والبضاعة هي رضوان الله وجنته.
اختر أن تكون من أولئك التجار المعروفين عند الله، الكاظمين للغيظ، العافين عن الناس، المستثمرين لغضبهم في جنات النعيم.
أسأل الله أن يجعلني وإياكم من الكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، وأن يوفقني وإياكم لكل خير قولوا آمين.






