✍️ بقلم: وجنات صالح ولي.
كانت تجلس أمام نافذتها، تحدّق في الأفق البعيد وكأنها تنتظر شيئًا لن يعود.
تُقلّب ذاكرتها ببطء، وتبتسم أحيانًا كمن يلامس أطراف حلمٍ قديمٍ ما زال عالقًا في تفاصيل الأمس.
لم تكن تعرف حينها إن كانت تفتقده حقًا… أم أنها فقط افتقدت الشعور الذي كان يملأ أيامها بوجوده.
كل الزوايا ما زالت تحفظ اسمه، وكل الأماكن تهمس بظلّه، لكنها الآن تدرك أن ما كان بينهما لم يكن حبًا حقيقيًا، بل تعودًا على وجودٍ ملأ فراغها لفترةٍ من الزمن.
كانت تظن أن غيابه سيكسرها، لكنه مرّ كما تمرّ الفصول، بهدوءٍ مؤلمٍ لكنه ناضج.
تتذكر الأغنية التي كانا يستمعان إليها في طريقٍ قديم،
وكيف ما زالت تلك النغمة تُعيدها إلى لحظةٍ كان فيها قلبها ممتلئًا به.
وأحيانًا، يفوح من عطرٍ فرنسي قديم رائحته الأولى التي التصقت بذاكرتها في لحظة احتضانٍ عابرة…
تفاصيل صغيرة لا تُعدّ مهمة الآن، لكنها كانت يومًا كلّ ما يهم.
قالت لنفسها بصوتٍ خافتٍ وهي تُغمض عينيها:
> “ربما لم يكن حبًا، كان فقط وهمًا جميلًا صدّقته بصدقٍ موجع.”
في مسافةٍ خفيةٍ بين الحب والتعود، تنشأ أوجاع لا تُرى.
فـ الحب حين يغيب، يترك في الصدر فراغًا يشبه الوجع،
أما التعود، فيُعلّمنا أن الفقد ليس دائمًا كارثة، بل تمرينٌ على النضج.
ومع مرور الوقت، اكتشفت أن ما أوجعها لم يكن فراقه، بل غياب الروتين الذي كان يجمعهما…
ضحكةٌ عند الصباح، رسالةٌ قصيرة قبل النوم، انتظارٌ بلا موعد.
كلها تفاصيل تافهة في ظاهرها، لكنها كانت تسند روحها في صمت.
حين بدأ بينهما الفتور، لم يكن السبب أن الحب انتهى،
بل لأن أحدهما توقف عن التنازل الجميل،
ذلك التنازل الذي يُعيد الدفء إلى العلاقات حين تبرد،
ويُشعل من جديد ما ظنّوه قد خمد.
لكن الكبرياء كان أقوى، والصمت أطول، فنامت المشاعر بينهما حتى غفت القلوب.
اليوم، وبعد كل هذا الوقت، لم تعد تبكي حين تتذكره.
ابتسامة صغيرة تعبر وجهها حين تمرّ أغنية قديمة،
أو حين يلامسها عبير ذلك العطر الذي لم يغب تمامًا…
وربما هذا هو الفرق بين وهم الحب ووجع التعود،
أن الأول يُطفئك بالحلم، والثاني يُنضجك بالواقع.
🕯️ لحظة وعي مدرك…
الحب الحقيقي لا يُنسى،
لكنه أيضًا لا يُستجدى،
ولا يُصان إلا بتنازلٍ من القلب لا من الكرامة.
احفظوا من تحبون قبل أن يصبحوا مجرد عادةٍ تذكّركم بهم أغنية قديمة…
أو عبير عطرٍ انطفأ منذ زمن، لكنه ما زال عالقًا في الذاكرة كحنينٍ جميلٍ لا يعود.






