الرئيسية مقالات التنمر والكراهية: جذور الضعف في مظهر القوة

التنمر والكراهية: جذور الضعف في مظهر القوة

368
0

جازان _ عادل بكري
التنمر ليس مجرد سلوك عابر أو كلمات جارحة تُقال في لحظة غضب، بل هو سلوك مقلق يعكس هشاشة داخلية وشعورًا بالعجز. إنه محاولة لإظهار القوة والتفوق على حساب الآخرين، لكنه في الحقيقة انعكاس لضعف أعمق يشعر به المتنمر، سواء كان نفسيًا أو اجتماعيًا. في أعماق هذا السلوك، يكمن شعور بالتفوق الزائف، يُخفي خلفه حالة من العزلة أو الهشاشة يحاول المتنمر التستر عليها بإلحاق الأذى بالآخرين.

وما يزيد من خطورة هذا السلوك أن المتنمر غالبًا ما يتحرك بدافع من الجهل؛ ليس فقط جهلًا بالعواقب، بل جهلًا بقيمة الإنسان الآخر، وجهلًا بأثر كلماته وتصرفاته، وجهلًا بأبسط قواعد التعاطف الإنساني. إن افتقار المتنمر إلى الوعي المعرفي والعاطفي يجعله غير مدرك لعمق الجرح الذي يتركه، وغير واعٍ بأن قوته المزعومة ليست سوى قناع يُخفي ظلمة داخلية.

وعندما يتكرر هذا السلوك أو يصبح شائعًا، يبدأ في تشكيل دائرة مغلقة من الكراهية. في هذه الدائرة، لا يقتصر الضرر على المتنمر أو الضحية، بل يمتد ليطال كل من يشارك بشكل مباشر أو غير مباشر في هذه اللعبة النفسية. التنمر يتحول إلى جزء من حياة الشخص المتأثر به، فتتراكم لديه مشاعر سلبية كالشعور بالنبذ، والعزلة، والقلق المستمر، مما يؤدي إلى نضوج بذور الكراهية في النفوس.

الضحايا لا يعانون من الأذى المباشر فقط، بل يعانون أيضًا من آثار نفسية قد تمتد لفترات طويلة. يبدأ الشخص المتأثر بالتنمر في تكوين صورة سلبية عن ذاته، وقد يتطور ذلك إلى مشاعر بالعجز، أو فقدان الثقة بالنفس، أو الانسحاب الكامل من محيطه. وهذه الآلام النفسية، إذا لم تُعالَج، قد تؤدي إلى تدهور في الصحة العقلية وتفاقم للمشاعر السلبية، مما يُغذّي بدوره دائرة التنمر والكراهية.

من جهة أخرى، فإن المتنمر نفسه غالبًا ما يتغذى على هذا السلوك؛ فكل مرة يُحقق فيها نوعًا من السيطرة أو التفوق الوهمي يشعر براحة مؤقتة، لكنها راحة زائفة، لا تبني شخصًا قويًا أو واثقًا من نفسه، بل تُعزز مشاعر الفراغ والضعف الداخلي. ومع بقاء الجهل عاملًا مشتركًا في سلوك المتنمر، تصبح قدرته على فهم ذاته أو تطويرها محدودة، ويبقى عالقًا في نمط مؤذٍ وضار للجميع.

وفي النهاية، تظل الحقيقة واضحة: أن القوة الحقيقية لا تأتي من إلحاق الألم بالآخرين، بل من قدرة الإنسان على الرحمة والتفاهم والتغيير. التنمر والكره هما ظلالٌ تحجب نور الإنسانية فينا، لكن بداخل كلٍّ منّا بذرة أمل يمكن أن تزهر بالوعي والاحترام.

فلنختر أن نكون صوتًا للخير، وأياديَ تبني لا تهدم، وقلوبًا تنبض بالمحبة بدلًا من الألم.
حينها نُسهم في خلق عالم أكثر سلامًا، وقوة حقيقية تُولد من داخلنا؛ عالمٍ تتلاقى فيه النفوس، وتتآلف فيه القلوب، وتُروى فيه حكايات الإنسان في أسمى معانيها.