بقلم : صالح جريبيع الزهراني – جده
صحيفة صدى نيوز إس
( عبدالواحد ) كيان كامل .. إنسانياً ووجدانياً .. إنتاجاً وعطاءً .. إبداعاً وأخلاقاً.
هو أيقونة للشعر في وطننا .. وإذا اكتفيت بذكر اسمه مفرداً علماً ( عبدالواحد ) .. فإن أذهان السعوديين وكل مهتم بالشعر في الخليج والوطن العربي سينصرف ذهنه فوراً إلى ذلك الشاعر السعودي الجنوبي الزهراني العَلَم .. وكأنك تقول ( المتنبي ، جرير ، القصيبي ، نزار ، الجواهري ) وهكذا .. فهذه الأسماء لا تحتاج إلى تعريف إضافي .. إنها أعلام بلغت شهرتها الآفاق .. وكذلك عبدالواحد.
عبدالواحد شاعر ينتمي إلى جيلنا .. الذي سمّيته جيل البدايات .. بدايات التغيير والاندهاش بكل شيء جديد في تلك القرى الجبيلة النائية في وطننا الجميل .. التي بدأت تمتد إليها بواكير كل شيء من التنمية في طفولتنا .. مما أتاح لنا الشهادة على الماضي ومعايشة الحاضر الجميل من بدايته .. فولدنا تقريباً في الظلام وفي بيوت الحجر واستخدمنا الحيوانات كوسائل نقل وشهدنا آباءنا وهم يمارسون مهن أجدادهم وأهمها الزراعة وشاركنا بجهدنا الطفولي في تلك الأعمال من حرث وحصاد وسقاية ورعي وغيرها .. وبسرعة البرق انتقلنا إلى الكهرباء والثلاجة والتلفزيون ومنازل الإسمنت والطرق المعبدة والسيارات والمدارس والمعاهد والجامعات .. وأهم من ذلك كله أننا ورثنا قيم الماضي بحذافيرها وكل ما تحمله من جمال والتزام واحترام وما تحمله من إشكاليات كذلك .. ومن هذه البيئة القروية القِيَمِية المنغمسة في إرث القبيلة خرج عبدالواحد .. وجيلنا معه .. إلى فضاء الأمل والطموح والوعي .. إلى فضاء المدينة .. الذي يستوعب المزيد من الاختلاف والأفكار والأطياف الواسعة من البشر .. وإلى فضاء الجامعات التي أخذتنا إلى مستوى آخر من الحياة .. مستوى الوعي والوظيفة والدخل المادي والاستقلال والاستغناء عن مهن الآباء والأجداد .. واكتشفنا في تلك المرحلة أن أبناء المدن سبقونا بسنين طويلة وكانوا يستمتعون بكل وسائل العصر الحديث آنذاك .. ويسافرون إلى القاهرة وبيروت ودمشق ولندن وباريس ويحضرون حفلات أم كلثوم وعبدالحيلم وفيروز.
ولأن عبدالواحد ( شاعر ) فإنك تستطيع أن تقرأ جميع تلك المراحل السابقة من خلال شعره فقط .. من خلال مفرداته وأساليبه الجديدة التي صقلها العلم .. وهذا يمثل التغيير والتجديد .. ومن خلال المعاني والقيم والمثل التي يتغنى بها .. وذلك يمثل الالتزام .. وقد كان لذلك أثر كبير على نقل الشعر الجنوبي بفنونه وأوزانه ( وطروقه ) المختلفة من المحلية الضيقة إلى الإقليمية .. حين أصبحت لغته بيضاء سهلة واضحة .. يفهمها المتلقي من أقصى شمال الجزيرة ومن غربها وشرقها .. وكذلك فعل شعراء عصره من جيل الشباب .. ولا أنسى عندما تحلَّق الزملاء من جميع أنحاء المملكة العربية السعودية حول عبدالواحد في بهو فندق بالأحساء أثناء ملتقى تعليمي عام 1419 وقضوا ليلة كاملة يستمعون إلى شعره ويطالبونه بقصائد بعينها مثل قصيدة ( خط الجنوب ).
عبدالواحد الإنسان والصديق هو شاعر في كل وقت .. مجبول على قول الشعر حتى وإن لم يرد أو يقصد ذلك .. وعندما تتحدث معه في ( سوالف ) عادية تكتشف لغته ( الشاعرة ) بسهولة .. بل حتى مواقفه تشعر أنها منغمسة في لغة الوجدان والعاطفة .. وبسرعة البرق تستطيع أن تدرك بأنك مع إنسان غير عادي .. إنسان محلق دائماً في عالم من الجمال والإنسانية والشاعرية والذكاء المفرط .. فتحلق معه وكأنك تدير ظهرك لعالم الواقع وتستقبل عالماً من الجمال والخيال .. وأذكر عندما كنا طلاباً في الطائف .. وكان فراش نومي في ( العزبة ) بجانبه .. نمنا وأيقظنا المنبه صباحاً .. ووجدت عبدالواحد يقعد من فراشه وأول كلمة قالها ( قطع الله يدي عنكِ ) فسألته من هذه المقصودة وماذا جرى ومن تخاطب .. فقال أقصد الوسادة يا صاحبي .. وهذا تعبير عن رغبته الجامحة في مواصلة النوم وأنه لا يريد مفارقة هذه العزيزة ( الوسادة ) .. ومن هذا الموقف ومثله كثير جداً تستطيع أن تفهم عبدالواحد ولغته الشاعرة الملازمة له في كل حين .. والإنسانية عند عبدالواحد يمثلها بره بوالديه وعطاؤه للجميع .. العطاء بماله وجاهه وحتى من بدنه .. وكل الناس يعرفون قصة تبرعه لأبيه رحمه الله بإحدى كليتيه بكل فخر وفرح عندما أثبتت الكشوفات مناسبة ذلك .. كلنا نذكر قصص امتناعه عن الشعر والحفلات في حوادث مؤلمة شتى .. وأنه مثلما يشارك الناس أفراحهم فإنه يشاركهم أتراحهم .. وأن المال وما يحصل عليه من مقابل آخر ما يقلقه .. ومن يرافق عبدالواحد في السفر يعرف أنه بمثابة الأب حتى لمن هم أكبر منه .. يتفقد أحوالهم .. ويلبي احتياجاتهم .. ويراعي رغباتهم واهتمامهم .. يعالج الأرواح بقربه ومشاركته ومواقفه .. ويعالج الأبدان بما يحمله معه دائماً من احتياطات .. حتى أننا سميناه .. من باب الدعابة والمحبة .. بالصيدلية المتنقلة.
إنني متأكد أن غالبية محبي عبدالواحد سيكتبون عن شعره وأخلاقه .. ولذا آثرت أن أخرج بما كتبت عن هذا النسق .. وحاولت أن أعبر بالقليل وبشكل آخر لأبين من أين وكيف أتى هذا العملاق .. الذي أتشرف بمعرفته وصداقته ومحبته.
أخيراً فإنني أجدها فرصة لنشر بدع جميل فاجأني به أثناء إحدى رحلاتنا وتشرفت بالرد عليه :
يقول عبدالواحد :
يا جريبيع أنت ما أدري شفت ذاك الموتر أمسي
مرّنا صدفة ولا أدري وين زاد الموتر أقفى
لا هو أمريكي ولا يابان هذا حكم أوروبي
لا مشى في الخط يتحدى البوقاتي والطوارق
ما تشوف إلا لهيب النار من حرّ اشكمانه
فقلت :
يا عبدالواحد وأنا عانيت قبل الموت رمسي
سهم في قلبي وما حسيت قبل الموت رقفا
ما حسبنا رميته لكنّ هذا حكم ربي
وأنا ما أدري قاتلي من الريف والا من الطوارق
يا غزال الريم قل بالله من حرّشك أمانه
الرمس = الدفن
الطوارق = قبائل معروفة
*صالح جريبيع الزهراني*






