الرئيسية مقالات اللوامون

اللوامون

185
0

 

من يلومون الآخرين، وما آذاهم إلا أنفسهم

مقدمة

في زوايا الحياة، هناك من يعيشون بألسنةٍ لا تهدأ، وقلوبٍ غافلةٍ عن حقيقتها.

يلومون الناس، ويعاتبون القدر، ويشتكون من ضيق الأيام، غير مدركين أن ما أوجعهم لم يكن من حولهم، بل من داخلهم.

إنهم “اللوامون”… أولئك الذين اتخذوا من اللوم عادةً تُطفئ نورهم، وتزيد ظلامهم.

اللوم.. سلاح الضعف ومهرب العاجزين

اللَّوم في جوهره سلاح الضعف،

يرفعه من يخشى مواجهة ذاته، فيُسقط أسباب فشله على الآخرين.

يتفنن في تبرير

ما حدث، ويُجيد تعليق الأخطاء على الأقدار والظروف، كأن الحياة تآمرت عليه وحده.

ولو تأمل لحظةً في مرآة الصدق، لرأى أن أكثر الجراح التي نزفت في مسيرته، كانت من قراراته، وصمته، وتردده، لا من غيره.

اللوم لا يُصلح شيئًا.. بل يُعمِّق الجراح

اللوم لا يُعيد ما فات، ولا يُصلح

ما انكسر.

هو رمادُ هزيمةٍ يتطاير في وجه صاحبه، كلما حاول نثره في وجه الآخرين.

فما أكثر من ضيّعوا أعمارهم في جلد غيرهم، وما أقلّ من أصلحوا ما بأنفسهم.

إنهم يعيشون في حلقةٍ مفرغةٍ من التذمر والتبرير،

بينما مفاتيح التغيير في أيديهم، ينتظرون فقط شجاعةَ الاعتراف.

الاعتراف.. بداية النور والإصلاح

الاعتراف بالخطأ ليس ضعفًا، بل شجاعةٌ ملكيةٌ راقية لا يقدر عليها إلا الأقوياء.

فمن اعترف لنفسه، ملك زمام التغيير، ومن لام الآخرين، بقي أسيرًا لدائرةٍ

لا تنتهي من الشكوى.

الحياة تُكافئ الصادقين مع ذواتهم، لا المبررين لأخطائهم.

فاللوم يسلبُ النور، بينما الاعتراف يُعيدُ للروح صفاءها، وللقلب اتزانه.

نداء إلى كل لوّامٍ

أيها اللوّام،

كُفَّ عن جلد الناس، فالعالم ليس مرآةً مكسورة، بل أنت من غبّر الغبارُ رؤيتك.

اغسل قلبك من الأعذار، واغفر لنفسك قبل أن تلوم غيرك.

تذكّر أن الحياة لا ترحم المتفرجين، ولا تُكرّم المبررين،

بل ترفع شأن من امتلك شجاعة الوقوف أمام نفسه، وقال بصدق:

“أنا المسؤول عمّا وصلت إليه، وسأبدأ من جديد.”

خاتمة

اللوم لا يغيّر قدرًا، ولا يُصلح مسارًا، إنه فقط يُبدّد الطاقة ويُعمّق الأوجاع.

أما الصادق مع نفسه، فيصنع من خطئه دربًا للنضج، ومن ألمه سُلّمًا للسمو.

 

فالحياة لا تعاقبنا كما نظن، بل تُعيد إلينا صدى أفعالنا، وتُرينا وجوهنا كما هي.

 

فاختر أن ترى الحقيقة، لا لتلوم، بل لتتغير…

 

لأن النجاح لا يولد من اللوم، بل من الاعتراف والإرادة والإصلاح.

 

جمعة جامعة بالإنسانية و الفكر

 

✦ بقلم:

عبدالعزيز الحسن

كاتب ومهتم بالشأن الإنساني والفكري