بقلم الإعلامي خضران الزهراني
كل الحكايات المؤلمة تبدأ بخطوة صغيرة، بخيطٍ من الفضول، بكلمةٍ قيلت في لحظة ضعف. هكذا تبدأ المأساة التي تُدمر الأحلام وتُطفئ النور في العيون.
كان سامي شابًا في مقتبل العمر، يحمل في قلبه طموحًا لا حدود له. عرف بين أقرانه بالخلق والاجتهاد، وكان يحلم أن يصبح مهندسًا يُسهم في بناء وطنه، لكن القدر خبأ له منعطفًا لم يكن في الحسبان.
ذات ليلة، وبين ضحكات الأصدقاء وحديث المجالس، قدّم له أحدهم سيجارة غريبة وقال بثقة خادعة: “جرّبها يا رجل، تجربة بسيطة، ما راح تخسر شيء.”
تردّد سامي، ثم قال في نفسه: “مرة واحدة فقط ولن أكررها.”
لكنها لم تكن مرة، بل كانت البداية… بداية السقوط.
بدأ الأمر بلحظات قصيرة من النشوة الزائفة، لكنه سرعان ما وجد نفسه يطارد السراب، يلهث خلف تلك اللحظة من “الراحة المؤقتة” التي سرقت منه واقعه شيئًا فشيئًا.
تبدّلت ملامحه، غابت ابتسامته، وأصبح شخصًا آخر لا يعرفه أحد. كان ينظر في المرآة فلا يرى إلا ظلًا لإنسانٍ فقد نفسه.
تدهورت دراسته، وتبددت أحلامه، وخسِر ثقته بنفسه، وبدأت أسرته تشعر بأن ابنها الذي عرفته لم يعد موجودًا.
مرت السنوات، وكل يوم كان يأخذ منه جزءًا من حياته، حتى وجد نفسه في مركز علاجٍ للإدمان، جالسًا على كرسي حديدي، يروي قصته بدموعٍ متحجرة في عينيه. قال بصوتٍ خافتٍ يقطر ندمًا:
“كنت أظنها تجربة، لكنها كانت الحفرة التي دفنت فيها شبابي.”
هذه ليست قصة سامي وحده، بل هي قصة آلاف الشباب الذين وقعوا في الفخ نفسه. فالمخدرات لا تبدأ بالإدمان، بل تبدأ بخطوة صغيرة، بلحظة ضعف، بكلمة “جرّبها” التي تفتح باب الجحيم.
هي لا تسرق المال فقط، بل تسلب الكرامة، وتُميت الطموح، وتُطفئ ضوء الروح، وتترك خلفها أمًا تبكي، وأبًا يتحسر، وأسرة تنهار.
أيها الشاب، لا تقل إنك قوي، ولا تظن أنك ستجرب وتنسحب متى شئت، فالمخدرات لا ترحم، وحين تدخل إلى حياتك لا تخرج بسهولة. هي تسلب إرادتك أولًا، ثم تسرقك من نفسك، وتجعل حياتك دائرة من الألم والندم والضياع.
وأيها الأب، أيتها الأم، لا تظنوا أن الحديث عن المخدرات ترفٌ أو مبالغة. إنها قضية حياة أو موت، وإن أبناءكم بحاجة إلى الحوار أكثر من المراقبة، إلى الاحتواء أكثر من الاتهام.
افتحوا قلوبكم قبل بيوتكم، فالكلمة الحانية قد تنقذ ولدًا، والنصيحة الصادقة قد تمنع كارثة.
في النهاية، المخدرات ليست تجربة، بل هي اختبار يفشل فيه الكثيرون.
هي طريق مظلم يبدأ بخطوة فضول، وينتهي بدمعة ندم، وبقبرٍ لأحلامٍ كانت يومًا نابضة بالحياة.
لا تجرّبها… فكل تجربةٍ مع المخدرات هي بداية النهاية.
احمِ نفسك، احمِ من تحب، وكن صوت وعيٍ في وطنٍ نقيٍّ لا يعرف إلا النور.
المخدرات تجربة ثم إدمان ثم ندم، فلا تجعل من لحظة ضعفٍ حكاية ألمٍ تروى بعد فوات الأوان.






