الرئيسية مقالات إلى الأديب الذي غرس الكلمة… فأنبتت ضياءً

إلى الأديب الذي غرس الكلمة… فأنبتت ضياءً

84
0

 

كتب حمد دقدقي

في ضمد، حيث يعبق التاريخ برائحة العلم، وتتنفس البيوت الشعر والحكاية، وُلد صوت سيظل صداه ممتدًا في ذاكرة الثقافة السعودية… هناك، في عام 1364هـ، أطلَّ على الحياة حجاب بن يحيى الحازمي، فكان ميلاده ميلاد قنديلٍ جديدٍ في سماء الجنوب، قنديلٍ لم يخفت نوره يومًا.

نشأ بين صفحات الكتب، وتفيّأ ظلال القرآن، ورضع من صدر أمٍّ حافظةٍ عالمةٍ غرسَت في قلبه حبّ العلم، فكان الحرفُ طريقه، والكلمةُ زاده، والكتابُ وطنه الأول. ومن ضمد إلى صامطة، ومن نجران إلى الرياض، مضى حجابُ الحازمي حاملاً طموحه على كتفيه، يعبر الطرق الوعرة والسنوات الطويلة، ليعود وفي كفِّه نور، وفي قلبه جازانُ بأكملها.

لم يكن أستاذًا فحسب، بل كان معلّمَ جيلٍ وصانعَ وعيٍ وباني فكر. في المعهد، في المدرسة، وفي كل منبرٍ اعتلاه، كانت الكلمة عنده أمانة، وكان الأدب رسالة، وكان التعليم عبادة.

وحين دخل ميدان الأدب، جاءه كما يأتي النهرُ إلى ظمآن… فكتب الشعر بصدق، وقرأ التاريخ بعين الباحث، وفتح أبواب النقد بأناة الحكيم. وحين تولّى رئاسة نادي جازان الأدبي، لم يكتفِ بالإدارة، بل حوّله إلى منارةٍ ثقافيةٍ تعجّ بالأصوات الشابة والمواهب الجديدة، وأسس “الاثنينية”، و“مرافئ”، و“الرسائل الجامعية” لتبقى جازانُ منبرًا نابضًا بالحياة والفكر.

لم تكن كتبه مجرد حبرٍ على ورق، بل كانت وثائق ضوء تسجّل رحلة الأدب في الجنوب، وتوثّق ذاكرة جازان في الشعر والنقد والتاريخ. فمن “وجوه من الريف” إلى “الشعر والشعراء في جازان خلال ثمانية عقود”، ترك بصمته في كل صفحةٍ وفي كل جيلٍ قرأه وتعلّم منه.

واليوم، وهو في ربيع الثمانين، ما زال الأديب الكبير حجاب الحازمي شامخًا كجبال جازان، نضرًا كسهولها، وفيضًا كوديانها. نتفيّأ ظلال عطائه، ونتعلّم من سيرته أنّ الكلمة لا تموت إذا خرجت من قلبٍ مؤمنٍ بها، وأنّ التعليم والأدب والتاريخ، حين تجتمع في إنسان، تخلّد اسمه بين الكبار.

أيها الأديب المعلم، يا ابن ضمد النابضة بالضياء، يا من حملت جازان في قلبك حتى صارت على لسان الوطن كله،

لك الحبّ، والامتنان، والدعاء بمديد العمر،

ولتبقَ كما كنت دائمًا… صوت الجنوب، وذاكرة الأدب، ونبض الوفاء