✍️: خضران الزهراني
ليس كل الصمت يعني أننا لا نرغب في الحديث، أو أننا اخترنا العزلة عن الناس، فالصمت أحيانًا لغةٌ عميقة لا يجيدها إلا من أنهكته التفاصيل.
هناك لحظات في الحياة يصبح فيها الكلام عبئًا، والحروف عاجزة عن حمل ما نشعر به. نبدو أمام الآخرين هادئين، لكن داخلنا يموج بفوضى من المشاعر المتناقضة التي لا نعرف لها اسمًا ولا نملك لها تفسيرًا.
الصمت ليس ضعفًا، بل شكل من أشكال القوة، لأننا نعي أن بعض الكلام لا يغيّر شيئًا، وأن البوح في غير مكانه قد يزيد الجرح عمقًا. نصمت حين نتألم ولا نريد أن نُظهر ألمنا، نصمت لأننا نُدرك أن من حولنا لن يفهموا ما نحمله في قلوبنا كما نحسه نحن، فنؤثر الصمت على شرحٍ طويل لا يجلب سوى مزيدٍ من الأسئلة.
أحيانًا نصمت لأننا نحمل في صدورنا حكايات لا تليق بالبوح، ومشاعر لم تكتمل بعد، وأفكارًا نخاف أن تُساء قراءتها.
نصمت لأننا نبحث في داخلنا عن ترتيبٍ جديد لفوضانا، عن نقطة ضوءٍ صغيرة نبدأ منها من جديد.
الصمت في جوهره حديثٌ آخر، لكنه حديثٌ موجَّه للذات، حديثٌ صادقٌ لا يقطعه ضجيج، ولا يحتاج إلى جمهورٍ أو استماع.
كم من إنسانٍ ابتسم في وجه الحياة وهو يختنق من الداخل، وكم من صامتٍ كان في أعماقه يصرخ، لكنه آثر الصمت احترامًا لنفسه ولوجعه.
الصمت أحيانًا دواء، وأحيانًا صديقٌ يُعيننا على لملمة شتاتنا حين تعجز الحروف عن مواساتنا.
وفي النهاية، ليس كل من صمت فقد ما يقول، بل ربما امتلك من الوعي ما يجعله يدرك أن الكلام لا يُجدي، وأن الصمت أبلغ من ألف حديث.
فبعض الصمت كرامة، وبعضه سلام، وبعضه لغة لا يسمعها إلا من يملك القلب ذاته، والوجع ذاته.






