الرئيسية مقالات حقوق المسافر بين ضيق المقاعد وضخامة الأجساد: تحدي صامت في الرحلات الجوية

حقوق المسافر بين ضيق المقاعد وضخامة الأجساد: تحدي صامت في الرحلات الجوية

81
0

 

اللواء.م/محمد فريح الحارثي

في كل رحلة جوية، هناك مشهد يتكرر بصمت، لكنه يترك أثراً ثقيلاً في النفوس: مُسافر ضخم البنية يحاول الجلوس في مقعد لا يتسع له، فيجد نفسه مضطراً لمشاركة مساحته الجسدية مع مُسافر بجواره. وبين الحرج والانزعاج، تتولد توترات غير منطوقة، لكنها محسوسة، تطال الجميع: الراكب، والجار، وطاقم الطائرة.

ليس خياراً… بل قدر جسدي

العديد من أصحاب الأجسام الكبيرة من المسافرين لم يختاروا بنيتهم. بعضهم وُلد ببنية عريضة، وآخرون يعانون من ظروف صحية أو وراثية تؤثر على الوزن. هؤلاء لا يسعون لإزعاج أحد، بل هم أنفسهم يعانون من ضيق المقاعد، ومن نظرات الآخرين، ومن شعور دائم بأنهم “خارج القياس”.

المشكلة ليست في أجسادهم، بل في تصميم المقاعد الذي لا يعكس تنوع الأجسام البشرية، ولا يعترف بأن “المتوسط” لم يعد معياراً عادلاً للجميع.

حين تتداخل التعقيدات

تزداد الأزمة تعقيداً حين يجتمع في راكب واحد: ضخامة الجسد، التقدم في السن، والإعاقة الحركية. امرأة مسنة مقعدة، على سبيل المثال، تحتاج إلى تعامل خاص وجهد مضاعف من الطاقم. وفي غياب مقاعد مناسبة أو خيارات بديلة، يتحول الموقف إلى اختبار قاسٍ لمهنية الطاقم وصبره.

إحراج للراكب… وإرباك للطاقم

جلوس راكب ضخم في مقعد لا يتسع له لا يحرجه وحده، بل يربك من بجواره، ويضع الطاقم في موقف حساس: كيف يوازن بين احترام خصوصية الراكب، وحق الآخرين في الراحة؟ التدخل غالباً ما يصطدم برفض تغيير المقاعد أو غياب البدائل، مما يضع الطاقم تحت ضغط نفسي ومهني، يُطلب منهم تجاوزه بصبر ومرونة لا تخلو من التوتر والضغط النفسي بسبب تحديات دقة جدول الوقت وما يقدمونه من خدمة لبقية المسافرين، وما تُمليه قوانين الطيران.

حقوق متداخلة… بلا حلول

في غياب سياسات واضحة، تتحول هذه المواقف في بعض الاوقات إلى مشادات بين الركاب: أحدهم يشعر بالإقصاء، والآخر بالاختناق، وكلاهما محق. لكن غياب الحلول المؤسسية يجعل الجميع خاسراً، ويحول الرحلة إلى تجربة مرهقة بدلاً من أن تكون مريحة.

دعوة لإصلاحات عادلة

في ظل هذه الإشكالية، تبرز الحاجة إلى تدخل مؤسسي من الجهات المعنية، بالتنسيق مع منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO) واتحاد النقل الجوي الدولي (IATA)، لطرح حلول عملية تشمل:

• دعوة مصانع الطيران الى تصميم مقاعد مرنة في الدرجة السياحية، قابلة للتعديل حسب حجم الجسم.

• توفير مقاعد مخصصة للأجسام الكبيرة مقابل رسوم إضافية عادلة.

• دعم الطاقم نفسياً ومهنياً، وتعويضهم على التعامل الحساس مع هذه الحالات.

• تخفيض رسوم المقعد الثاني لمن يحتاج الى ذلك من اصحاب الاجسام الضخمة او اعفائه من ذلك اذا كانت الرحلة بها مقاعد شاغرة.

الطيران… تجربة إنسانية قبل أن تكون وسيلة نقل

العدالة في السماء تبدأ من الاعتراف بتنوع الأجسام، ومن توفير حلول تحترم الجميع. ليس من العدل أن يُحرج راكب بسبب ضخامة جسده، أو يُضيق على آخر بسبب تصميم المقاعد، أو يُرهق الطاقم بسبب غياب السياسات. إنها دعوة لأن تكون الرحلة الجوية تجربة إنسانية عادلة، تبدأ من مقاعد الطائرة، ولا تنتهي إلا عند احترام كرامة كل راكب،

واحترام وتقدير جهود طاقم الطائرة .