الرئيسية مقالات لقاء (جيل آمن).. تحذيرات من تحول ألعاب المحاكاة إلى سلوك واقعي بين...

لقاء (جيل آمن).. تحذيرات من تحول ألعاب المحاكاة إلى سلوك واقعي بين النشء”

119
0

 

بقلم: أحمد علي بكري

عندما تأمّلنا الألعاب الإلكترونية التي تعتمد نظام محاكاة الواقع أو تقمّص الشخصيات، وجدنا أن العديد من التصرفات والسلوكيات التي أظهرها اللاعبون داخل تلك العوالم الافتراضية لم تعد فقط مجرد لعب ومرح، بل بدأت تُشكّل مؤثرًا فاعلًا في سلوك بعض الأشخاص خارج اللعبة.

فمع مرور الوقت واعتياد بعض الممارسات داخل تلك الألعاب مثل القتل والتهريب والسرقة والاحتيال، تتحول هذه التصرفات إلى أنماط سلوكية محتملة في حياة اللاعب اليومية. كما أن تكرار الكذب أو الحلفان داخل اللعبة يُمكن أن يُعوّد صاحبها على ممارسة ذلك في واقعه دون وعي. وقد لاحظ البعض أن بعض اللاعبين الذين قضوا وقتًا طويلًا في ألعاب محاكاة مثل جراند 5 تأثروا سلبًا بسلوكيات الشخصيات الإجرامية أو الكاذبة، حتى أصبح جزءًا من تفكيرهم اللاواعي وسلوكهم الواقعي.

وفي إطار تعزيز الوعي بهذه القضايا الرقمية الحديثة، أُقيم بمدينة جازان لقاء توعوي نوعي بعنوان “جيل آمن”، نظّمه مركز التنمية الاجتماعية بجازان بالتعاون مع معهد همم العطاء العالي للتدريب واللغات، يوم الأربعاء الماضي الموافق 29 أكتوبر 2025م، على مسرح جمعية الملك فهد الخيرية بجازان.

وشهد اللقاء حضورًا مميزًا من المهتمين بالشأن التربوي والأسري، حيث قدّمت خلاله الدكتورة رؤى أبوراسين، وكيلة كلية الهندسة وعلوم الحاسب بجامعة جازان، محاضرة ثرية تناولت الاستخدام الآمن للتقنية في حياة الأبناء، وسلّطت الضوء على المخاطر النفسية والسلوكية الناتجة عن الاستخدام غير المنضبط للألعاب الإلكترونية.

وبيّنت الدكتورة أن بعض الألعاب التي تحاكي الواقع لا تؤثر فقط في وقت اللاعب أو تحصيله الدراسي، بل تمتد لتصوغ شخصيته وقيمه ببطء، مشيرةً إلى أن التكرار المستمر لمشاهد العنف أو الخداع في الألعاب يجعل الفرد أكثر تقبّلًا لمثل هذه التصرفات في الحياة الحقيقية. كما أوضحت أن ضعف الرقابة الأسرية وتبرير بعض الممارسات بأنها “مجرد لعبة” يسهم في تطبيع السلوكيات السلبية وغرسها في عقول النشء.

وتحدثت عن أهمية تعزيز الثقافة الرقمية لدى الأسر، والتعامل الواعي مع التقنية كوسيلة للتعلم وتنمية المهارات لا كأداة ترفيه مطلقة، داعيةً إلى بناء جسور تواصل مفتوحة بين الآباء والأبناء لمناقشة المحتوى الذي يتعرضون له، وفهم دوافعهم بدلاً من الاكتفاء بالمنع أو العقاب.

واختتم اللقاء بجلسة نقاش تفاعلية شارك فيها عدد من الحضور، طُرحت خلالها أسئلة حول أفضل السبل لتقنين استخدام الألعاب الرقمية، ودور المؤسسات التعليمية في نشر الوعي، إلى جانب مداخلات أثرت النقاش حول العلاقة بين العالم الافتراضي والسلوك الواقعي.

ويأتي هذا اللقاء ضمن جهود مركز التنمية الاجتماعية بجازان في تعزيز الوعي الأسري والمجتمعي تجاه التقنيات الحديثة ومخاطر الاستخدام الخاطئ للأجهزة الذكية، دعمًا لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 في بناء مجتمع رقمي آمن ومسؤول.

إننا إذ نُقرّ بأن الألعاب وسيلة ترفيه فعالة، فإننا نؤكد على أهمية إدراك أثرها العميق في تشكيل السلوك والقيم، فبين الترفيه والانحراف خطوة صغيرة لا تُرى إلا حين تقع، لذا وجب أن نكون أكثر وعيًا في استخدامنا لها، وأكثر حرصًا على تنشئة جيلٍ آمنٍ في واقعه كما هو في عالمه الافتراضي.