الرئيسية مقالات الغَيْرة والغِيرة … تشابه في اللفظ واختلاف في المعنى

الغَيْرة والغِيرة … تشابه في اللفظ واختلاف في المعنى

97
0

 

بقلم خالد الحربي – الرياض

صحيفة صدى نيوز إس

كثيرًا ما نسمع الناس يستخدمون كلمتَي الغيْرة والغِيرة وكأنهما شيء واحد، غير أن اللغة العربية، بدقّتها وعمقها، تفرّق بينهما تفريقًا دقيقًا في المعنى والمشاعر.
فالغيْرة بفتح الغين شعورٌ إنسانيّ فطريّ، يجمع بين الحب والخوف في آنٍ واحد. هي تلك النار الخفيفة التي تشتعل في القلب عندما نخشى أن نفقد من نحب، أو عندما نشعر أن أحدًا ينافسنا في مكانةٍ عزيزة لدينا. وتكون الغيْرة جميلة ما دامت في حدودها، لأنها دليل اهتمامٍ وصدق، لكنها إذا تجاوزت تلك الحدود تحوّلت إلى ألمٍ وشكٍّ وتملّكٍ يفسد العلاقة بدل أن يحميها.

أما الغِيرة بكسر الغين فهي خُلُقٌ رفيع، يدل على الحميّة والعزّة والأنَفة، وهي التي تدفع الإنسان إلى حماية دينه ووطنه وكرامته من أي إساءة أو انتقاص. فالغِيرة ليست عاطفةً شخصية، بل مبدأ نابع من الشرف والإيمان، ولذلك فهي صفةٌ محمودة تعبّر عن نقاء النفس وقوة الضمير. غير أنّ صاحب الغِيرة قد يخشى أحيانًا على محبوبه من قسوة الحياة ومفاجآتها، فيبدو كأنه يُقيِّده خوفًا عليه، بينما في الحقيقة إنما يحوطه برعايته وحرصه. لكنّ المحبوب قد يجهل معناها، فيظنها تملُّكًا لا حماية، وقيدًا لا محبة.
وهنا تكمن النقطة الجوهرية؛
فحين يشعر الغيور أن من يحب أساء فهم غيرته، ورآها قيدًا بدل أن يراها حرصًا، يتألم بصمت. ذلك أن غيرته لم تكن رغبة في السيطرة، بل كانت خوفًا صادقًا من أن تؤذي الحياة من يسكن قلبه. فيتردد بين قلبٍ يريد أن يحمي، وعقلٍ يخشى أن يُساء فهمه، فيختار الصمت، خوفًا من أن يخسر من يغار عليه، ولو كان الثمن أن يُتَّهم بما لم يقصده.
وقد يظن البعض أن اجتماع الغيْرة والغِيرة في قلبٍ واحد أمرٌ مستحيل، لكن القلب النقيّ يستطيع أن يجمع بينهما في توازنٍ جميل. فهو يغار على من يحب دون أن يؤذيه، ويغار على القيم والمبادئ دون أن يتعصب. وهكذا يكون الإنسان الناضج من يحمل في قلبه العاطفة والكرامة معًا، فيحبّ بصدق، ويغار بشرف، ويحيا بسلامٍ ووعي