محمد الرياني
ظل يشكو دائمًا من ألمٍ في قدمه اليسرى ، حدثَ هذا وهو صغير ، وكلما كبر امتدَّ هذا الألم أكثر ، بل وليشمل ساقه اليسرى أيضا.
لم يعر هذا اهتمامًا ؛ فالتمرُّدُ في الصغر يتجاوز كلَّ هذه المنغصات وكان يتحامل على نفسه خاصة عندما يمشي مع أقرانه أو يمارس الركض أو اللعب معهم فيوصف بالكسلِ والتخاذل ، وفي المساء عندما يخلو بنفسه يسأل قدمه عن سبب الآلام التي تعصفُ بها عند اللعب أو المشي بحذاء جديدة .
والغريب أنه لا يشعر بالألم ذاته في القدم اليمنى ، ولم يحدث هذا مطلقًا ، وبعض الأوقات يجعلهما ملتصقتين لعله يكتشف العلة ولم يجد ما يجيبه .
وفي إحدى المرات ذهب ليشتري حذاء للعيد ، يريدُ الفرحَ في أجمل الأيام ، وكان يومًا رائعًا بالفعل عندما جاءه البائع بجزمةٍ رائعةٍ مقاس ٤٣ وهذا المقاس الذي يناسبه عندما كبرَ وتوقَّفَ الطول عنده .
جلس مرتاحًا على كرسيٍّ في محلِّ الأحذية ، والبائعُ ينظر نحوه وكله إعجابٌ وقد دخلتِ الجزمةُ في القدمِ اليمنى بسلاسةٍ ودون صعوبة .
نظرَ إليه البائعُ بإعجابٍ وهو يقول : ما أروعَ قدمكَ مع الجزمةِ الجديدة !
فرحَ بهذا الإطراء ، غيرَ أنَّ القدمَ اليسرى لم تجعله يفرحُ كثيرًا عندما تعثَّرَ ولوجُ الجزمةِ فيها ؛ الأمرُ الذي جعل البائعَ يستغربُ ويسأل : هل قدمكَ اليسرى أكبر من اليمنى ؟
ولكنه بادره بردٍّ مستفز ؛ ربما العلةُ في المقاساتِ لديك !
وبالفعل لم تدخل الجزمةُ اليسرى إلا بصعوبةٍ وليس كالأخرى التي دخلتْ بهدوء .
مازحه بأن يعطيه فردةً أكبرَ للقدم اليسرى تزيد بدرجةٍ عن اليمنى .
اكتشفَ في محلِّ الأحذيةِ أن قدمه اليسرى وُلدتْ أطولَ من أختها ولم يكتشفْ هذا إلا متأخرًا ؟
شعرَ بمرارةٍ على مُضيِّ العمر وأنه كان يتوجبُ عليه شراءَ فردتيْ حذاء بمقاسين مختلفين حتى يلحق بأقرانه إذا سار معهم .
نظرَ إلى قدميه يعاتبهما ؛ قد يكون العيب في اليمنى إذ خلقتْ أصغرَ وليس في اليسرى التي وُلدتْ أكبر .
ومع هذا نام بهدوءٍ وهو يفكر في الصباحِ الذي يذهب فيه كي يكسو قدمين رائعتين تختلفان في الطول ولكنهما تتجهان ببطءٍ كما يريد .






