الرئيسية الأدب والشعر من يستحق الأمان

من يستحق الأمان

143
0

 

بقلم: محمد باجعفر

مقدمة

في زمنٍ تتبدّلُ فيه الوجوهُ أسرعَ من الفصول،

وتتغيّرُ القلوبُ كألوانِ الغروب،

يبقى الأمانُ الحلمَ الأصعب،

والنعمةَ الأندر…

هو ذلكَ الإحساسُ الخفيّ الذي لا يُشترى،

ولا يُطلَبُ باللسان،

بل يُمنَحُ بالصدق،

ويُكتَبُ في أرواحِ من لا يخونون.

فمن ذا الذي يستحقُّ أن تأمنهُ على قلبك؟

ومن ذا الذي لا يُؤتَمنُ ولو قدّمَ لكَ الدنيا؟

ليسَ كُلُّ قريبٍ أمانًا،

ولا كُلُّ بعيدٍ جفاءْ…

فالأمانُ نَبضُ صِدقٍ،

لا يُوهَبُ بالكَلِماتِ،

بل يُولَدُ من رَحِمِ المواقفْ.

هو لَيسَ ابتسامةَ وجهٍ،

ولا عِدَةَ غَيبٍ تُنسى،

بل هو ضِلعٌ من طُمأنينةٍ،

يَحمِلُكَ حينَ تَميلُ الحياةُ على جَنبِها.

مَن يَستَحقُّ الأمانَ،

هو مَن إذا رآكَ مُنكسِرًا،

سَتَرَكَ…

وقالَ بِصَمتِهِ الحَنون:

“أنا هُنا.. لا تَخَف.

هو مَن يَحفَظُ سِرَّكَ من نَفسِه،

ولا يَجعَلُ من سُقوطِكَ حِكاية،

يُروِيها العابرون على قارِعةِ الزمان.

من يَستَحقُّ الأمان،

هو مَن لا يَتغَيَّرُ إذا غَيَّرَتِ الدُّنيا مَلامِحَها،

ولا يُساوِمُكَ على وُجودِكَ،

ولا يُغادِرُكَ في أوَّلِ غَيمَةٍ تَعبُرُ سَماءَكَ.

أما الّذينَ يَجيئونَ متى شاءَت شُمسُكَ،

ويَرحَلونَ إذا خَبَت ضَوءُكَ،

فَهُم لِلمَصَالِحِ أخلاءٌ،

وليسوا لِلقُلوبِ مَسكنًا.

لا تُؤمِن كُلَّ وُدٍّ مُغسولٍ بالعَسَل،

ففي البَعضِ سُمٌّ لَطيفٌ،

يَسري في طُرقِ الطُّمأنينةِ حتى يُفقِدَكَ نَومَكَ.

 

احفَظ أمانَكَ لِمَن يُحبُّكَ دونَ سَبب،

ويَرَاكَ بِصِدقٍ لا بِخيال،

ويُثبِتُ في وَجهِ العاصِفَةِ،

لا في صَفاءِ السَّماء.

 

فالأمانُ ليسَ عَطاءً للجَميع،

بل مَسؤولِيَّةُ روحٍ،

تَعرِفُ أينَ تَضَعُ مَفاتِيحَها.

مَن وُضِعَ الأمانُ في يَدَيهِ،

صارَ حَياةً تَسكُنُها،

ومَن خَانَ،

صارَ لِقَلبِكَ جُرحًا لا يَلتَئِم.

💫 الخاتمة: مفتاح الأمان 🔑

وفي آخرِ الطريقِ،

حينَ يَتساقَطُ من حولَكَ المارّونَ كأوراقِ الخَريف،

تكتَشِفُ أنَّ الأمانَ

ليسَ في الزِحامِ،

ولا في الكَثرة،

بل في قَلبٍ واحِدٍ،

يَعرِفُكَ كما أنتَ،

ويُؤمِنُ أنَّ طُهرَكَ أثمَنُ من الخطأ.

 

ذلكَ القَلبُ هو مفتاحُك،

احفَظْهُ كما تُحفَظُ الذِّكرى في صُندوقِ الجَنينَة،

ولا تُسلِّمْهُ إلّا لِمَن إذا غابَ ظِلُّكَ،

صارَ هو ظِلَّكَ…

وإذا انطفأَ نورُكَ،

أشعَلَكَ مِن نَفسِهِ ضِياءً.

 

فالأمانُ، يا صديقي،

ليسَ وِعْدًا يُقالُ…

بل حِكايةٌ تُعاشُ،

ورُوحٌ تَسكُنُ في رُوحٍ،

وتَبقى…

ولو خانَها الزمانُ ألفَ مَرّة.